للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة السّابعة والعشرون وهي الوبريّة

حكى الحارث بن همّام، قال: ملت في ريّق زماني الّذي غبر، إلى مجاورة أهل الوبر؛ لآخذ أخذ نفوسهم الأبيّة، وألسنتهم العربيّة، فشمّرت تشمير من لا يألو جهدا، وجعلت أضرب في الأرض غورا ونجدا؛ إلى أن اقتنيت هجمة من الرّاغية وثلّة من الثّاغية، ثمّ أويت إلى عرب أرداف أقيال، وأبناء أقوال، فأوطنوني أمنع جناب، وفلّوا عنّي حدّ كلّ ناب، فما تأوّبني عندهم همّ، ولا قرع صفاتي سهم.

***

غبر: تقدم. أهل الوبر: أصحاب البوادي: الذين مالهم الإبل، وكنى بالوبر عنها.

الأبيّة: العزيزة التي تأبى الذلّ، يألو جهدا: يقصّر في الاجتهاد، أضرب: أمشي في الأرض. وغورا ونجدا: مرتفعا ومنخفضا، اقتنيت: اكتسبت لنفسي لا للبيع.

وشرح الحريري ألفاظا في المقامة فنقتصر فيها على شرحه إلا بقدر ما يزيد الكلام بيانا، مثل قوله: آخذ أخذ نفوسهم، أي أتخلّق بأخلاقهم وطباعهم، ويقال لو كنت مثلنا لأخذت بأخذنا، بكسر الهمزة وفتحها، أي بخلائقنا وشكلنا، واستعمل فلان على الشأم وما أخذ أخذه، أي وما والاه وكان حيّزه، وقوله: إرداف أقيال؛ يفسّر القيل بالملك وبردف الملك، وقيل: القيل بالمشرق كالقائد بالأندلس والرّدافة في الجاهلية كالوزارة في الإسلام، والرّدافة: بأن يرتدف مع الملك على مركوبه، وأن يستخلفه في موضعه متى غزا، أويت: رجعت واتخذته مأوى، أوطنوني: أنزلوني. جناب: جانب، فلّوا: كسروا.

ناب: ضرس. تأوّبني: أتاني ليلا، ولا قرع صفاتي سهم، أي لم ينلني ضرّ.

***

إلى أن أضللت في ليلة منيرة البدر، لقحة غزيرة الدّرّ؛ فلم أطب نفسا بإلغاء طلبها، وإلقاء حبلها على غاربها؛ فتدثّرت فرسا محضارا، واعتقلت لدنا خطّارا، وسريت ليلتي جمعاء، أجوب البيداء، وأقتري كلّ شجراء ومرداء، إلى أن نشر الصّبح راياته، وحيعل الدّاعي إلى صلاته، فنزلت عن متن الرّكوبة، لأداء

<<  <  ج: ص:  >  >>