أفي الحق أن أمسي ولا تذكرينني ... وقد سجمت عيناي من ذكرك الدّما
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
فجاء والله من طرب القوم ما حسبت له أن يخرجوا من عقولهم، فأمسكت حتى إذا هدأ القوم اندفعت أغنّي:
حذا محبّك مطويّ على كمده ... صبّ مدامعه تجري على جسده
له يد تسأل الرّحمن راحته ... ممّا به ويد أخرى على كبده
يا من رأى كلفا مستهدفا أسفا ... كانت منيّته في طرفه ويده
فصاحت الجارية: السلاح! هذا والله الغناء يا مولاي. وسكروا، وأمر صاحب الدّار غلمانه بحفظهم إلى منازلهم، وبقيت أشرب معه- وكان جيّد الشراب- فقال:
يا سيّدي ذهب والله ما خلا من أيامي باطلا إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت؟ فأخبرته، فقبّل رأسي، وقال: وأنا أعجب من هذا الأدب، وأنا منذ اليوم مع الخلافة. ثمّ سألني عن قصتي فأخبرته خبر الطعام والمعصم، فأحضر جواريه [ولا أشعر]. ثمّ قال: ما بقي غير أمّي وأختي، ولأنزلنّهما إليك. فعجبت من كرمه، وسعة صدره، فقلت: أبدأ بالأخت، ففعل، فلمّا رأيت معصمها، قلت: هي هي. فأرسل إلي عشرة مشايخ وأحضر بدرتين، وقال: أشهدكم أني قد زوّجت أختي فلانة من إبراهيم بن المهدي، وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم. فدفعت إليه البدرة الواحدة، وفرّقت الأخرى على المشايخ، وانصرفوا، وقال: يا سيّدي أمهد لك بعض البيوت، فأحشمني، فقلت: بل أحملها لي منزلي في عماريّة، فو حقّك يا أمير المؤمنين، لقد حمل إليّ من الجهاز ما ضاق عنه بعض دوري.
فتعجّب المأمون من كرمه، وأمر بإحضاره فصار من خواصّه.
***
قوله:«سحقا» أي بعدا.
***
[[زنام الزامر]]
وزنام الزامر هو الذي أحدث الناي، وهو المزمار الذي تدعوه عامتنا بالمغرب الزّلامي، فصحّفوه بإبدال نونه لاما، وإنما هو زناميّ، وقال فيه الشاعر:[الرمل]
إنّ في ناي زنام شغلا ... يشغل العاقل عن ناي زنام
قال القاسم بن زرزور الزامر: حدّثني زنام الزامر، قال: لما اعتل المعتصم علّته التي مات منها، قال: هيّئوا لي الزلال حتى أركبه، فهيّئ له فركب، وأتى فيمن