للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتشعبت حينئذ آراء الجمع، في تجويز النّصب والرّفع، فقالت فرقة: رفعهما هو الصّواب، وقالت طائفة: لا يجوز فيهما إلا الانتصاب، واستبهم على آخرين الجواب، واستعر بينهم الاصطخاب، وذلك الواغل يبدي ابتسام ذي معرفة، وإن لم يفه ببنت شفة، حتّى إذا سكنت الزّماجر، وصمت المزجور والزّاجر. قال: يا قوم، أنا أنبّئكم بتأويله، وأميّز صحيح القول من عليله؛ إنه ليجوز رفع الوصلين ونصبهما، والمغايرة في الإعراب بينهما، وذلك بحسب اختلاف الإضمار، وتقدير المحذوف في هذا المضمار. قال: ففرط من الجماعة إفراط في مماراته، وانخراط إلى مباراته.

***

قوله: تشعبت، تفرقت، وشعبت الشيء: فرّقته وجمعته، وهو من الأضداد.

ورجل شعاب: يضم ويجمع. آراء: جمع رأي. واستبهم: استغلق. استعر: اتّقد.

الاصطخاب: اختلاط الأصوات، وقد صخب صخبا. بنت شفة: كلمة.

[[مما ورد في اختلاف النحويين]]

ومثل اختلاف هذه الجماعة على المعاني في رفع «وصل» وخفضه، اختلاف أصحاب الواثق على جارية غنّت بحضرته: [الكامل]

أظلوم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحية ظلم

وذكر الحريري في الدرّة: أن أبا العباس المبرد ذكر أن أبا عثمان المازني قصده بعض أهل الذمة ليقرأ عليه كتاب سيبويه، وبذل له مائة دينار، فامتنع أبو عثمان من قبول بذله، فقلت له: جعلت فداك! أتترك هذه النفقة، مع فاقتك وشدّة إضاقتك؟ فقال: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة كذا وكذا آية من كتاب الله تعالى، ولست أرى أن أمكّن منه ذميّا، غيرة على كتاب الله وحميّة له.

قال: فاتفق أن غنّت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي: أظلوم ... البيت، فاختلف من بالحضرة في إعراب «رجل» فمنهم من نصبه بأن على أنه اسمها، ومنهم من رفعه على أنه خبرها، والجارية مصرّة على أن شيخها أبا عثمان لقّنها إياه بالنصب، فأمر الواثق بإحضاره. قال أبو عثمان: فلما مثلت بين يديه قال: ممّن الرجل؟ قلت: من بني مازن، قال: من أيّ الموازن؟ أمازن تميم أم مازن قيس؟ أم مازن أم ربيعة؟ فقلت: من مازن ربيعة، فكلّمني بكلام قومي وقال لي: باسمك؟ يريد ما اسمك- وهم يقلبون الميم باء والباء ميما إذا كان في أول الأسماء- فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر، فقلت: بكر يا أمير المؤمنين، ففطن لما

<<  <  ج: ص:  >  >>