للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصدته وأعجب منه، ثم قال: ما تقول في قول الشاعر: [الكامل]

* أظلوم إن مصابكم رجلا (١) *

أترفع «رجلا» أم تنصبه؟ فقلت: بل الوجه النصب، قال: ولم ذلك؟ فقلت: «إن مصابكم رجلا» مصدر بمعنى إصابتكم. فأخذ اليزيديّ في معارضتي فقلت: هو بمنزلة قولك: إن ضربكم زيدا ظلم، فالرجل مفعول بمصابكم ومنصوب به، الدليل عليه أن الكلام معلّق إلا أن تقول «ظلم» فيتمّ. فاستحسنه الواثق وقال: هل لك من ولد؟ قلت:

نعم، بنيّة يا أمير المؤمنين، قال: ما قالت لك عند مسيرك؟ قلت: أنشدت قول الأعشى:

[المتقارب]

أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم (٢)

أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم

قال: فما قلت لها؟ قال: قلت قول جرير: [الوافر]

ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنّجاح (٣)

قال: أنت على النجاح إن شاء الله تعالى. ثم أمر لي بألف دينار وردّني مكرما.

قال أبو العباس: فلما عاد إلى البصرة قال: كيف رأيت يا أبا العباس! رددنا لله تعالى مائة فعوّضنا بألف.

قال الحريريّ: فهذه الحكاية ترغّب في اقتباس الأدب ودراسته حيث استعطف المازنيّ الواثق ببيت الأعشى حتى اهتزّ لإحسان صلته.


(١) يروى البيت بتمامه:
أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحيّة ظلم
وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص ٩١، والاشتقاق ص ٩٩، ١٥١، والأغاني ٩/ ٢٢٥، وخزانة الأدب ١/ ٤٥٤، والدرر ٥/ ٢٥٨، ومعجم ما استعجم ص ٥٠٤، وللعرجي في ديوانه ص ١٩٣، ودرة الغواص ص ٩٦، ومغني اللبيب ٢/ ٥٣٨، وللحارث أو للعرجي في إنباه الرواة ١/ ٢٨٤، وشرح التصريح ٢/ ٦٤، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٩٢، والمقاصد النحوية ٣/ ٥٠٣، ولأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص ٦٦، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦/ ٢٢٦، وأوضح المسالك ٣/ ٢١٠، ومجالس ثعلب ص ٢٧٠، وهمع الهوامع ٢/ ٩٤.
(٢) يروى صدر البيت الأول:
أبانا فلا رمت من عندنا
والبيتان للأعشى في ديوانه ص ٩١، والبيت الأول في لسان العرب (ريم)، وتاج العروس (ريم)، والبيت الثاني في تاج العروس (ضمر)، وأساس البلاغة (ضمر)، وتهذيب اللغة ١/ ٣٧، وكتاب العين ٣/ ٢٢٤، ولسان العرب (ضمر).
(٣) البيت في ديوان جرير ص ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>