أيام خالد القسري فوجد طولها فرسخين في مثلهما والكوفة ثلثاها. وأمّا في أيام المنصور فقسم على من يستوجب العطاء من أهل البصرة ألف ألف درهم، فأصاب كلّ رأس درهمين.
ولأهل البصرة ثلاثة أشياء ليس لأحد من أهل البلدان أن يدّعيها عليهم: النّخل والشّاء والحمام، أما النخل فهم أعلم خلق الله به وأحذقهم بإصلاحه، وفيها من أصناف النخل ما ليس في بلد من البلدان، وأما الشاء المعبدية فقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عبد القيس، فقال: يا رسول الله إني رجل أحبّ الشاء، فدفع له فحلا من المعز فقبض بيده على أصل أذنه، حتى استدارت أصابعه، فصار في أذنه كالسّمة فسار إلى بلده فأطرقه شاءه، فحملت إلى البحرين، فتناسلت هناك فليس في البحرين شاة كريمة إلا وفي أذنها سمة كالحلقة، فيغالى بها لتلك العلامة حتى تبلغ الشاة منها خمسين دينارا، وتعقد بالبصرة عقودها، وفيها شاة لبني فلان أمّها فلانة، وأبوها تيس بني فلان، مقدار حلبها بالغداة والعشيّ كذا. وحمامهم بلغت في الهداية أن جاءت من أقاصي بلاد الروم ومن مصر إلى البصرة وينتهي ثمن الطائر منها إلى تسعمائة دينار، وتباع بيضتها بعشرين دينارا، وكلّ ما وصف في المقامة موجود في البصرة، ولمّا صعد عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه منبرها خطب وقال في آخر خطبته: يا أهل البصرة، يا بقايا ثمود ويا جند المرأة، ويا أتباع البهيمة، دعا فاتّبعتم، وعقر فانهزمتم، أما إني أقول لا رغبة فيكم ولا رهبة منكم، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أرض يقال لها البصرة، أقوم الأرضين قبلة، قارئها أقرأ الناس، وعابدها أعبد الناس، ومتصدقها أكثر الناس صدقة، وتاجرها أعظم الناس تجارة منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربع فراسخ، يستشهد عند مسجدها سبعون ألفا، الشهيد منهم كالشهيد في يوم بدر». فبنى الحريري في مدح البصرة على هذا الحديث، وإنما ختم كتابه بذكر البصرة وأهلها لتقوى مفاخرهم، ومفاخر بلدهم في البلدان فيلهجون بالمقامات ويقدمونها على غيرها.
قوله: شنآن، أي عداوة. دهماؤكم: جماعاتكم، والدهماء معظم الناس وأكثرهم.
والدّهم: العدد الكثير. عابدكم: زاهدكم كالحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهما.
الخليقة، أي أخوف النّاس من الله تعالى. علّامة: كثير العلم.
[[أبو الأسود الدؤلي]]
ومستنبط علم النحو هو أبو الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان أحد بني الديل من كنانة، وهو يعدّ في التابعين والمحدّثين والشعراء والبخلاء والنّحويين، ويعدّ في العرج والمفاليج والبخر، شهد مع علي رضي الله عنه صفّين، وولى البصرة لابن عباس رضي الله عنهما، وكان من شيعة عليّ وكانت امرأته عثمانية، وكان أصهاره لا يزالوا أن يردّون عليه قوله في عليّ، فقال فيهم:[الوافر]