يقول الأرذلون بنو قشير ... طوال الدّهر لا تنسى عليّا
فقلت لهم وكيف يكون تركي ... من الأعمال ما يعصي عليّا
أحبّ محمدا حبا شديدا ... وعباسا وحمزة والوصيّا
بنو عمّ النبي وأقربوه ... أحبّ النّاس كلّهم إليّا
فإن يك حبهم رشدا أصبه ... ولست بمخطئ إن كان غيّا
ولم يشكّ أبو الأسود أنه رشد، وعلى هذا تأويل قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤].
ومن بخله أنه كان يقول: لا تجاودوا الله فإن الله أجود وأمجد، ولو شاء الله أن يوسّع على خلقه حتى لا يكون فيهم محتاج لفعل. وكان يقول لولده: إذا بسط الله لك في الرزق فانبسط، وإن قبضه فانقبض.
ومرّ برجل وهو يقول: من يعشّي هذا الجائع؟ فأدخله وعشّاه حتى شبع، ثم ذهب السائل ليخرج، فقال له: أين تذهب؟ فقال: لأهلي فقال: لا أدعك تؤذي المسلمين بسؤالك، اطرحوه في الأدهم، فبات عنده مكبولا حتى أصبح.
وكتب إلى رجل يستسلفه فكتب إليه الرجل: المئونة كثيرة، والفائدة قليلة، والمال مكذوب، فراجعه أبو الأسود: إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا، وإن كنت صادقا فجعلك الله كاذبا.
وقال الخليل: كان أبو الأسود ضنينا بما أخذه من عليّ رضي الله عنه، وذلك أنه سمع لحنا فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفا، فأشار إلى الرفع والنصب والخفض.
وقال له زياد: قد فسدت ألسنة الناس، لأنه سمع رجلا يقول: سقطت عصاتي، فدافعه أبو الأسود.
وسمع رجلا يقرأ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة: ٣] فخفص، فقال: ما بعد هذا شيء، فقال له: ابغني كاتبا يفهم، فجيء برجل من عبد القيس، فلم يرضه فهمه، فأتي بآخر من قريش، فقال له: إذا رأيتني قد فتحت فيّ بالحرف فانقط نقطة على أعلاه، وإذا ضممت فيّ فانقط نقطة بين يديه، وإذا كسرت فيّ، فاجعل النقطة تحت الحرف، فإذا أشربت ذلك غنّة، فاجعل النقطة نقطتين، فهذا نقط أبي الأسود.
واختلف الناس إليه يتعلمون العربية، وفرّع لهم ما أصّله فأخذه جماعة كان أبرعهم عنبسة بن معدان المهري يقال له الفيل، فأقبل الناس عليه بعد موت أبي الأسود، فبرع من أصحابه ميمون الأقرن، فرأس في الناس وزاد في الشرح، فبرع من أصحابه عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي، فبرع في النّحو وتكلم في الهمز، وأملى فيه كتابا، وأخذ أبو عمرو بن العلاء عمّن أخذ عنه، ثم نجم من أصحاب أبي عمرو عيسى بن عمر، ويونس