فنظر إليه نظر ليث العرّيسة، إلى الفريسة. ثمّ أشرع قبله الرّمح، وأقسم له بمن أنار الصّبح، لئن لم ينج منجى الذّباب، ويرض من الغنيمة بالإياب، ليوردنّ سنانه وريده، وليفجعنّ به وليده ووديده. فنبذ زمام الناقة وحاص، وأفلت وله حصاص، فقال لي أبو زيد: تسلّمها وتسنّمها، فإنها إحدى الحسنيين، وويل أهون من ويلين.
قال الحارث بن همام: فحرت بين لوم أبي زيد وشكره، وزنة نفعه بضرّه.
فكأنه نوجي بذات صدري، أو تكهّن ما خامر سرّي. فقابلني بوجه طليق، وأنشد بلسان ذليق: [مجزوء الرمل]
يا أخي الحامل ضيمي ... دون إخواني وقومي
إن يكن ساءك أمسي ... فلقد سرّك يومي
فاغتفر ذاك لهذا ... واطّرح شكري ولومي
ثم قال: أنا تئق؛ وأنت مئق، فكيف نتّفق! وولّي يفري أديم الأرض، ويركض طرفه أيّما ركض، فما عددت أن اقتعدت مطيّتي، وعدت لطيّتي، حتى وصلت إلى حلّتي، بعد اللتيّا والّتي.
***
العرّيسة: مأوى الأسد. والفريسة: الصيد يفترسه، أي يكسر عنقه، وهي أكيلة الأسد. أشرع: صوّب. أنار: نوّر. ينج منجى: يخلص مخلص، وشبه خلوصه بخلوص الذباب، لأنه يقع على الجسد أو الطعام فيتقذّر الإنسان بمقرّه فيشرده، وهو واجد عليه، فينجو الذباب، سالما بعد أذايته.
[[مما قيل في الذباب والبعوض شعرا]]
وأخذه من قول إبراهيم بن العباس الصولي لمحمد بن الزيات: [المتقارب]
كن كيف شئت وقل ما تشا ... وأبرق يمينا وأرعد شمالا
نجا بك قومك منجى الذباب ... حمته مقاذيره أن ينالا
وأخذه إبراهيم من قول الآخر: [السريع]
أسمعني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النّفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقاري له ... ومن يعضّ الكلب إن عضا!
ومن قول الآخر: [البسيط]
قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا ... للؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا