الأيك: شجر. الجدل منك وإليك، أي إنّما كان هذا الخصام بينك وبين نفسك، ولم يكن ثمّ صبي تحاوره، أي أن حديثك مصنوع لا أصل له.
[[الأخبار المصنوعة]]
ومن مستعمل الأخبار المصنوعة ما يحكى أن حبيب بن أوس، قال: لقينا أعرابيّ، وقد خرجت في أيام الواثق إلى سرّ من رأى، فقلت له: ممن؟ قال: من بني عامر، قلت: كيف علمك بعسكر أمير المؤمنين؟ قال: قتل أرضا عالمها، قلت: ما تقول في أمير المؤمنين؟ قال: وثق بالله فكفاه، أشجى العاصية، وقمع العادية، وعدل في الرعيّة. قلت: فما تقول في أحمد بن أبي دؤاد؟ قال: هضبة لا ثرام، وجبل لا يضام، تشحذ له المدى، وتنصب له الحبائل، حتى إذا قيّد وثب وثبة الذئب، وختل ختل الضّب. قلت: فحمد بن عبد الملك؟ قال: وسع الداني شرّه، ووصل البعيد ضرّه، له في كل يوم صريع، لا يرى فيه أثر ناب، ولا ندب مخلب، قلت: فما تقول في الفضل بن مروان؟ قال: ذلك الرجل نشر بعد ما قبر، فعليه حياة الأحياء، وخفته الموتى. قلت: فابن الخصيب؟ قال: أكل أكلة نهم، وذرق ذرقة بشم، قلت: فأخوه إبراهيم؟ قال: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون، قلت فأحمد بن إبراهيم؟
قال: لله درّه! أيّ رجل هو! اتّخذ الصّبر دثارا، والحق شعارا، وإن هوّن عليه يهمّ، قلت: فسليمان بن وهب؟ قال: ذلك رجل السلطان، وبهاء الدّيوان، قلت: فأخوه الحسن؟ قال: عود نضير، غرس في منابت الكرم حتى إذا اهتز لهم حصدوه، قلت:
فإبراهيم بن نجاح؟ قال: ذلك رجل أوثقه كرمه، وأسلمه حسبه، وله دعاء لا يسلمه، وربّ لا يخذله، وخليفة لا يظلمه، قلت: فنجاح بن سلمة؟ قال: لله درّه أيّ طالب وتر ومدرك ثأر! يلتهب كأنه شعلة نار، له من الخليفة في الأنام جلسة تزيل نعما، وتحلّ نقما، قلت: يا أعرابيّ أين منزلك؟ قال: اللهمّ غفرا إذا اشتمل الظّلام، ألتحف الليل، فحيثما أدركني الرّقاد رقدت، ولا أخلق وجهي بمسألتهم؟ أما سمعت هذا الطائيّ يقول:[البسيط]
وما أبالي وخير القوم أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
فقلت له: أنا قائل هذا الشعر، قال: أإنّك لأنت الطائي! قلت: نعم، قال: لله أبوك، أنت الذي تقول:[البسيط]
ما جود كفّك إن جادت وإن بخلت ... من ماء وجهي إذا أخلقته عوض
قلت: نعم، قال: أنت أشعر أهل زمانك.
ونمي خبره إلى ابن أبي داود فأوصله إلى الواثق، فأعطاه ألف دينار، وأخذ له من أهل الدولة ما غني به عقبه بعده.