أم صادر، ادّعت النبوّة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في الجزيرة في بني تغلب، فاستجابوا لها، وتبعها قوم من تميم، وظهر أمرها حتى هابتها العرب وصالحتها، لتجوز في بلادهم حيث شاءت. فسمعت بمسيلمة في اليمامة، فقالت لقومها «عليكم باليمامة، دفّوا إليها دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا تلحقكم بعدها ملامة».
وبلغ مسيلمة خبرها فهابها، وخاف إن هو شغل بها غلبه ثمامة بن أثال وشرحبيل على حجر اليمامة إذ هما من قبل أبي بكر رضي الله عنه، فأرسل إليها يستأمنها على نفسه، فأمّنته فجاءها في أربعين من بني حنيفة، فقال لها: نصف الأرض لي، والنصف الذي كان لقريش صار لك، فقالت: لا يردّ النصف إلا من جنف، فاحمل النّصف.
فصالحها على أن يحمل إليها نصف غلّات اليمامة من تلك السنة، وعلى أن يسلفها ثمن غلات السنة المقبلة. فقبلت منه، وقدم لها مغلّ تلك السنة، ورجعت إلى الجزيرة، فلم تزل في بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام انفراده بالملك إلى الكوفة، فانتقلت معهم، وحسن إسلامها.
[[أبو الأسود الدؤلي وامرأته]]
وأظن أن الحريريّ صوّر تخاصم زوجة أبي زيد معه على تخاصم أبي الأسود الدؤليّ مع زوجته عند معاوية.
حدث أهل الأخبار قالوا: كان أبو الأسود كبيرا عند معاوية، وكان معاوية يجالسه ويدنيه، ويسأله فيجيبه فيما يعلم، فبينما هو ذات يوم عند معاوية وقد قدم المدينة إذ دخلت عليه امرأة برزة فقالت: أصلح الله أمير المؤمنين وأمتع به! إنّ الله جعلك خليفة في البلاد، ورقيبا على العباد، يستسقى بك المطر، ويستنبت بك الشجر، ويؤمّن بك الخائف، ويردع بك الجانف. أنت الخليفة المصطفى، والأمير المرتضى؛ فنسأل الله لك النعمة في غير تغيير، والبركة من غير تقتير؛ فقد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين أمر ضاق بي عنه المخرج، من أمر كرهت عاره، لمّا أردت إظهاره، فليكشف عني أمير المؤمنين، ولينصفني من الخصم، وليكن ذلك على يديه، فإني أعوذ بك وبحقويك من العار الوبيل، والأمر الجليل؛ الذي يشتدّ على الحرائر، ذوات البيوت الأخاير.
فقال لها معاوية: من هذا الذي أشعرك شناره؟ قالت: أمر طلاق جائر، من بعل غادر، لا تأخذه من الله مخافة، ولا يجد بأحد رأفة: قال: ومن بعلك؟ قالت: هو أبو الأسود. فالتفت معاوية إليه فقال: أحقّ ما تقول هذه المرأة؟ فقال: إنّها تقول من الحق بعضا، وليس أحد يطيق عليها نقضا. أما ما ذكرت من أمر طلاقها فحق، وسأخبرك عن ذلك بصدق، أنا والله ما طلقتها لريبة ظهرت، ولا من هفوة حضرت؛ ولكن كرهت شمائلها، فقطعت حبائلها. قال: فأيّ شمائلها كرهت؟ قال: إنك تهيّجها عليّ جواب