للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عتيد، ولسان شديد. قال: لا بدّ من جوابها، قال: هي يا أمير المؤمنين كثيرة الصّخب، دائمة الذّرب، مهينة للأهل، ومؤذية للبعل؛ إن ذكر خيرا دفنته، وإن ذكر شرّا أذاعته، تخبر بالباطل، وتطير مع الهازل، لا تنكل عن عتب، ولا يزال زوجها معها في تعب؛ فقالت: أما والله لولا حضور أمير المؤمنين، ومن حضر من المسلمين، لرددت عليك بوادر كلامك بنوادر تردع كلّ سهامك. فقال معاوية: عزمت عليك لما أجبته! فقالت:

هو والله يا أمير المؤمنين سئول جهول، ملحاح بخيل، إن قال فشرّ قائل، وإن سكت فقدم غائل، ليث حين يأمن، ثعلب حين يخاف، شحيح حين يستضاف، إن التمس الجود عنده انقمع، لما يعلم من لؤم آبائه، وقصر رشائه، ضيفه جائع، وجاره ضائع، لا يحمي ذمارا، ولا يضرم نارا، ولا يرعى جوارا، أهون الناس عليه من أكرمه، وأكرمهم عليه من أهانه.

فقال معاوية: ما رأيت أعجب منها. انصرفي رواحا، فلمّا كان العشي جاءت، فلما رآها أبو الأسود قال: اللهمّ اكفني شرّها، فقالت: كفاك الله شرّي، وأرجو ألّا يعيذك من شرّ نفسك. قال: ناوليني هذا الصبيّ حتى أحمله، قالت: ما جعلك الله بأحقّ من يحمل ابني مني. فوثب فانتزعه منها، فقال معاوية: مهلا يا أبا الأسود. قال: يا أمير المؤمنين حملته قبل أن تحمله ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وانظر في أوده، أمنحه علمي، وألهمه حلمي؛ حتى يكمل عقله، ويستحكم قبله، قالت: كلّا أصلحك الله! حمله خفّا، وحملته ثقلا، ووضعه شهوة، ووضعته كرها. حجري فناؤه، وبطني وعاؤه، وثديي سقاؤه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام.

فقال معاوية: ما رأيت أعجب من هذه المرأة! فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين، إنها تقول من الشعر أبياتا فتجيدها، قال: فتكلّف أنت لها أبياتا لعلك أن تقهرها بالشعر، فقال أبو الأسود: [الخفيف]

مرحبا بالّتي تجور علينا ... ثمّ أهلا بالحامل المحمول

أغلقت بابها عليّ وقالت ... إن خير النّسا ذوات البعول

شغلت قلبها عليّ فراغا ... هل سمعتم بفارغ مشغول!

فقالت: [الخفيف]

ليس من قال بالصواب وبالح ... قّ كمن حاد عن منار السبيل

كان حجري فناءه حين يضحي ... ثم ثديي سقاؤه بالأصيل

لست أبغي بواحدي يا بن حرب ... بدلا ما رأيته والجليل

فقال معاوية رضي الله عنه: [الخفيف]

ليس من قد غذاه طفلا صغيرا ... وسقاه من ثديه بالجدول

<<  <  ج: ص:  >  >>