حدث الحارث بن همام قال: لحظت في بعض مطارح البين، ومطامح العين، فتية عليهم سيما الحجا، وطلاوة نجوم الدّجى. وهم في مماراة مشتدّة الهبوب، ومباراة مشتطة الألهوب، فهزّني لقصدهم هوى المحاضرة، واستجلاء جنى المناظرة.
فلمّا التحقت برهطهم، وانتظمت في سمطهم، قالوا: أأنت ممن يبلى في الهيجاء، ويلقي دلوه في الدّلاء؟ فقلت: بل أنا من نظارة الحرب، لا من أبناء الطّعن والضّرب. فأضربوا عن حجاجي، وأفاضوا في التّحاجي.
***
لحظت: نظرت. مطارح: جمع مطرح، وهو الموضع تطرح فيه نفسك، أي ترميها فيه.
البين: الفراق، فيريد بمطارح البين البلاد التي طرحه فيها البين ورماه إليها. ومطامح العين:
المواضع الحسان التي تطمح فيها العين بالنّظر، أي ترتفع إليها. سيما الحجا: علامة العقل، والسّيما من وسمت الشيء وسما إذا علّمته، وأصله «وسمى»، فحوّلت الواو من موضع الفاء إلى العين. فصار سومي، فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. طلاوة: حسن. الدّجا: الظّلمة.
معارضة. مشتطّة: ممتدّة متجاوزة الحدّ. الألهوب: الجري الشديد، فأراد أن حركة الكلام بينهم في المناظرة شديدة. والمحاضرة: مجالسة العلماء. مناظرة: سؤال العالم لتعلم حسن نظره وقدر معرفته. جناها: فوائدها. رهطهم: جماعتهم. انتظمت في سمطهم، أي جلست بينهم. يبلى في الهيجاء: يقاتل في الحروب. النظارة: القوم يقعدون في موضع مرتفع من الأرض ينظرون منه القتال ولا يشهدونه، فأراد أنني ممن يحضر معكم للاستماع، لا للمناظرة.
الحجاج: مصدر حاجّة، تقول: حاججت فلانا إذا أوردت عليه الحجّة وأوردها عليك، فإن غليته قلت: حججته. أفاضوا في الأحاجي: اندفعوا فيالألغاز.
***
وكان في بحبوحة حلقتهم، وإكليل رفقتهم، شيخ قد برته الهموم، ولوّحته السّموم، حتّى عاد أنحل من قلم، وأقحل من جلم، إلا أنه كان يبدي العجاب، إذا