حكى الحارث بن همّام، قال: نهضت من مدينة السّلام، لحجّة الإسلام، فلمّا قضيت بعون الله التّفث، واستبحت الطيب والرّفث، صادف موسم الخيف، معمعان الصّيف، فاستظهرت للضّرورة؛ بما يقي حرّ الظّهيرة، فبينا أنا تحت طراف، مع رفقة ظراف، وقد حمي وطيس الحصباء، وأعشى الهجير عين الحرباء، إذ هجم علينا شيخ متسعسع، يتلوه فتى مترعرع، فسلّم الشّيخ تسليم أديب أريب، وحاور محاورة قريب لا غريب، فأعجبنا بما نثر من سمطه؛ وعجبنا من انبساطه قبل بسطه، وقلنا له: ما أنت! وكيف ولجت وما استأذنت!
***
نهضت، أي تقدّمت، وسمّي النهوض تقدّما لسرعة الحركة، وسمّى المنصور بغداد مدينة السلام، لأنّ دجلة يقال لها وادي السلام، ونهر السلام، وأضاف الحجة إلى الإسلام لأنها أحد أركانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس»(١)، والحجّ أحدها.
التّفث: ما يلزم الحاجّ من ترك الطّيب وحلاق الشعر. والرفث: النكاح. استبحت:
استحللت. الموسم: الموضع الذي يجتمع فيه النّاس من عيد أو سوق. الخيف: موضع بمكة. معمعان: شدّة الحرّ. استظهرت: استعددت، تقول: قد استظهر للشيء بكذا إذا استعدّ له، وقد تقدّم آنفا للحسن:[الطويل]
* فدونك فاستظهر بنعل حديد*
يقي: يمنع. الظهيرة: حرّ نصف النهار، فيقول: بسبب ضرورة الحرّ جعلت على نفسي سترا يمنع عني حرّ الشمس. طراف: قبّة من جلد. ظراف: جمع ظريف، وهو النّبيل المهذب. حمي وطيس الحصباء: اشتدّ حرّ الجنادل لمن وطئها، وأصل الوطيس التنور يحمى فيطبخ فيه. أعشى: أعمى. الهجير: حرّ نصف النهار. الحرباء: دويبة
(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١، ٢، وتفسير سورة ٢، باب ٣٠، ومسلم في الإيمان حديث ١٩، ٢٢، والترمذي في الإيمان باب ٣، والنسائي في الإيمان باب ١٣.