للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الخامسة وهي الكوفيّة

حكى الحارث بن همّام قال: سمرت بالكوفة في ليلة أديمها ذو لونين، وقمرها كتعويذ من لجين، مع رفقة غذوا بلبان البيان، وسحبوا على سحبان ذيل النّسيان، ما فيهم إلّا من يحفظ عنه ولا يتحفّظ منه، ويميل الرّفيق إليه، ولا يميل عنه، فاستهوانا السّمر، إلى أن غرب القمر، وغلب السّهر. فلمّا روّق اللّيل البهيم، ولم يبق إلّا التّهويم، سمعنا من الباب نبأة مستنبح، ثمّ تلتها صكّة مستفتح، فقلنا:

من الملمّ، في اللّيل المدلهمّ؟ فقال:

***

[[الكوفة]]

سمرت بالكوفة. الكوفة بلد بالعراق مشهور بينه وبين بغداد ثلاثون فرسخا، وسميت كوفة لاستدارتها، أخذت من الكوفان، وهي الرملة الشديدةالبياض، وقيل:

سمّيت كوفة لاجتماع الناس فيها، من قولهم: تكوّف الرمل تكوّفا، إذا ركب بعضه بعضا، وقيل: سمّيت كوفة، لأنها قطعت من البلاد، من قولهم: أعطيت فلانا كيفة، أي قطعة، وكفت أكيف كيفا: قطعت والكوفة «فعلة» منه، قلبت الياء واوا للضمّة التي قبلها.

وهي مدينة العراق الكبرى، والمصر الأعظم وقبّة الإسلام، ودار هجرة المسلمين، وأوّل مدينة اختطّها المسلمون بالعراق.

وذكر شيخنا أبو الحسن بن جبير في رحلته حاجّا، أنه دخل الكوفة في أوّل محرّم سنة تسع وتسعين وخمسمائة، فقال: هي مدينة كبيرة، وقد استولى الخراب على أكثرها، فالعامر منها أقلّ من الخراب، ومن أسباب خرابها قبيلة خفاجة المجاورة لها، وهي لا تزال تضرّ بها، وكفاك بتعاقب الأيّام والليالي ما حقا ومفنيا! وبناؤها بالآجرّ خاصّة، ولا سور لها. والجامع العتيق آخرها ممّا يلي شرق البلد، ولا عمارة تتّصل به من جهة الشرق. وهو جامع كبير، في الجانب القبليّ منه خمس أبلطة، وفي سائر الجوانب بلاطتان متّسعتان، وهي على أعمدة من السّواري المصنوعة من صميم الحجارة المنحوتة قطعة على قطعة، مفرغة بالرّصاص، ولا قسيّ عليها، وهي في نهاية من الطول متصلة

<<  <  ج: ص:  >  >>