حدّث الحارث بن همام قال: استبضعت في بعض أسفاري القند، وقصدت به سمرقند؛ وكنت يومئذ قويم الشّطاط، جموم النّشاط، أرمي عن قوس المراح، إلى غرض الأفراح، وأستعين بماء الشّباب، على ملامح السّراب، فوافيتها بكرة عروبة، بعد أن كابدت الصّعوبة، فسعيت وما ونيت، إلى أن حصل البيت. فلمّا نقلت إليه قندي، وملكت قول عندي، عجت إلى الحمّام على الأثر، فأمطت عنّي وعثاء السّفر، وأخذت في غسل الجمعة على الأثر.
***
استبضعت: اتخذت بضاعة. القند. عسل السكر.
[[سمرقند]]
وسمرقند: بلد عظيم من بلاد خراسان، غزاها ملك من ملوك اليمن اسمه شمر، فملكها وهدمها فسمّيت شمركند، بمعنى خرابة شمر، ثم عرّبت فقيل: سمرقند، وأهلها السّغد. وفي رواية أنه لما انتهى إلى السّغد قاتلهم أياما تحوّلوا إلى مدينتهم فحاصرهم حولا حتى افتتحها عنوة، فقتل منهم وسبا وهدمها، ثم ثاب له رأي، فأمر ببنائها، فبنيت خيرا مما كانت، ثم أمر بصخرة فبنيت عند بابها، وكتب عليها: هذا بناء ملك العرب لا العجم، شمر الملك الأشمّ. ووحد في سورها لوح من نحاس فيه كتاب، وهو:«هذا ما أمر ببنائه شمر»، وقد تقدّم أن فرغانة من أعمالها التي هي آخر خراسان، وبين سمرقند وبغداد ستة أشهر، وتقدم أن مدينة سمرقند من أحسن بلاد الله تعالى، ولما أشرف قتيبة ابن مسلم عليها، فرأى ما أدهشه لإفراط حسنها. قال: كأنها السماء في الخضرة، وكأنّ قصورها النجوم والزهرة، وكأن أنهارها المجرّة.
***
قوله: قويم الشّطاط، أي معتدل القامة: جموم النّشاط، أي كثير القوة والخفة.