للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الحادية والثلاثون وهي الرّملية

حكى الحارث بن همّام قال: كنت في عنفوان الشّباب، وريعان العيش اللّباب، أقلى الاكتنان بالغاب، وأهوى الاندلاق من القراب؛ لعلمي أنّ السّفر، ينفج السّفر، وينتج الظّفر، ومعاقرة الوطن تعقر الفطن، وتحقر من قطن، فأجلت قداح الاستشارة، واقتدحت زناد الاستخارة، ثم استجشت جأشا أثبت من الحجارة. وأصعدت إلى ساحل الشام للتّجارة، فلمّا خيّمت بالرّملة، وألقيت بها عصا الرّحلة، صادفت بها ركابا تعدّ للسّرى، ورحالا تشدّ إلى أمّ القرى.

***

عنفوان وريعان، معناهما أول. اللباب: الخالص. أقلى: أبغض. الاكتنان:

الاستتار والإقامة في الكنّ. والغاب: الشجر الملتفّ، وهو بيت الأسد، وأراد به بلدته، وأنه كان يكره الإقامة بها ويحبّ السفر. أهوى: أحبّ. الاندلاق:

الخروج بسرعة وسهولة. والقراب: وعاء يجعل فيه السيف، وهو غمده. السّفر:

جمع سفرة، وهي التي يجعل فيها الخبز ويضمّ عليها بحلق، وتستعمل في السّفر. ينفج: يكثر، أي تكثر المأكولات في السفر فتنفج به. ينتج: يولّد.

الظّفر: الفوز بالحاجة. معاقرة الوطن: ملازمة بلد الإنسان. تعقر الفطن: تميت القلوب وتبلد الأذهان. قطن: سكن وأقام، فيريد أن الإقامة في بلدالإنسان تحقّر شأنه وتبلّد خاطره.

[[الوطن ومما قيل فيه شعرا]]

قال الشاعر: [الكامل]

أنفق من الصّبر الجميل فإنه ... لم يخش فقرا منفق من صبره

والمرء ليس ببالغ في أرضه ... كالصّقر ليس بصائد في وكره

وأنشد الفنجديهيّ: [مجزوء الكامل]

<<  <  ج: ص:  >  >>