قال الحارث بن همام: فلمّا رأينا الشّبل يشبه الأسد، أرحلنا الوالد وزوّدنا الولد، فقابلا الصّنع بشكر نشرا أرديته، وأدّيا به ديته. ولمّا عزما على الانطلاق.
وعقدا للرّحلة حبك النّطاق، قلت للشيخ: هل ضاهت عدتنا عدة يعقوب، أو هل بقيت حاجة في نفس يعقوب! فقال: حاش لله وكلّا، بل جلّ معروفكم وجلّى، فقلت له: فدنّا كما دنّاك، وأفدنا كما أفدناك أين الدّويرة، فقد ملكتنا الحيرة! .
***
الشّبل: ولد الأسد. أرحلناه: أعطيناه راحلة يركبها. الصنع: الفعل الجميل. نشرا أرديته: استعارة لنشر الشكر. أدّيا: أعطيا. ديته: حقّه، يقول: جعلا شكرهما حقّا لبرّنا ومكافأة لصلتنا، وكأن المال الموهوب قد استهلكه الآخذ له، فإن شكر عليه فالشّكر للواهب هو دية ماله الهالك. وإنما أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نشر معروفا فقد شكره، ومن ستره فقد كفره».
[[مما قيل في الشكر]]
وفي حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي شيئا فوجد فليجر، ومن لم يجد فليثن به، فإن أثنى عليه فقدشكره، وإن كتمه فقد كفره».
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «من دعاكم فأجيبوه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم يجد أحدكم فليدع له حتى يعلم أنه قد كافأه».
وقالوا: إذا قصرت يداك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.
وما أحسن قول حبيب في نشر الشكر وذمّ ستره. [الكامل]
للنار نار الشوق في كبد الفتى ... والبين يوقده هوى مسموم
خير له من أن يخامر قلبه ... وهواه معروف امرئ مكتوم
سرق الصنيعة فاستمرّ ملعّنا ... يدعو عليه النّائل المظلوم
أأقّنع المعروف وهو كأنه ... قمر الدّجى إني إذا للئيم
مثر من المال الّذي ملّكتني ... أعناقه ومن الوفاء عديم
فأروح في بردين لم يسحبهما ... قبلي فتى وهما الغنى واللّوم
ومن ملح الأعراب؛ أن أعرابيا لصّا أخذه الحجاج، فضربه سبعمائة سوط، وهو يقول عند كلّ سوط: شكرا يا ربّ، فقيل له: والله ما يمنع الحجاج من تركك إلا كثرة شكرك، أما سمعت الله يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧]! فأنشأ الأعرابي يقول: [الرجز]