ألا رحم الله امرأ ملك هواه، وأمّ مسالك هداه، وأحكم طاعة مولاه، وكدّ وكدح لروح مأواه، وعمل ما دام العمر مطاوعا، والدّهر موادعا، والصّحة كاملة، والسّلامة حاصلة، وإلّا دهمه عدم المرام، وحصر الكلام، وإلمام الآلام، وحموم الحمام، وهدوء الحواس، ومراس الأرماس.
***
مسلككم: طريقكم. السّاهرة: وجه الأرض، وقيل الأرض البيضاء. المورد:
موضع الماء الذي يرده الناس والبهائم، ولا غناء لأحد عن قصد الماء، فجعل الساهرة موردا على هذا المعنى. أهوال الطّامّة: مخاوف القيامة وما فيها من الهول والخوف، وأصابت الناس طامّة أي داهية وأمر عظيم، وقد طمّ الأمر، إذا عظم وجاوز الحدّ. مؤصدة: معدّة ينتظرون بها والحطمة: التي تحطم الناس، أي تكسرهم، يعني جهنم أعاذنا الله منها، وهو اسم علم من أسماء جهنم دخلته اللام إيذانا بالصفة. المؤصدة: المغلقة. رواؤهم: منظرهم الحسن. حالك: أسود.
السّموم: جمع سمّ. والسّموم: الريح الحارة. أمّ: قصد. أحكم: أتقن. كدح:
عمل. روح مأواه: راحة مسكنه. موادعا: متاركا ومصالحا. قال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لرجل يعظه «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك».
دهمه: غشيه وأتاه فجأة، ودهمه يدهمه لغة. المرام: المطلب. حصر: حبس.
إلمام: نزول. الآلام: الأسقام. حموم الحمام: دنوّ الموت. هدوّ: سكون.
الحواس: الإدراكات، وهي التي يحسّ بها الإنسان الأشياء ويدركها وهي خمسة:
العين يدرك بها النظر، والأنف والأذن يدرك بها الشم، والسّمع واللسان واليد يدرك بهما الذوق، واللّمس، فيريد أن هذه الجوارح تسكن بالموت ولا تتحرّك.
[[مما قيل في دنو الأجل وعجز الطب حياله]]
وننشد هنا أبياتا لها بالموضع بعض تعلّق، ونذكر فيها الأطباء الذين لا حيلة لهم في الموت، قال عدي بن زيد: [الخفيف]
أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود (١)
بينما هم على الأسرّة والأنم ... اط أفضت إلى التّراب الخدود
والأطباء بعدهم لحقوهم ... ضلّ عنهم سعوطهم واللدود
(١) الأبيات في ديوان عدي بن زيد ص ١٢٢.