روى الحارث بن همام عن أبي زيد السّروجيّ قال: ما زلت مذ رحلت عنسي، وارتحلت عن عرسي وغرسي، أحنّ إلى عيان البصرة، حنين المظلوم إلى النّصرة، لما أجمع عليه أرباب الدّراية، وأصحاب الرّواية؛ من خصائص معالمها، وعلمائها، ومآثر مشاهدها وشهدائها، وأسأل الله أن يوطئني ثراها، لأفوز بمراها، وأن يمطيني قراها، لأفتري قراها. فلمّا أحلّنيها الحظّ، وسرح لي فيها اللّحظ، رأيت بها ما يملأ العين قرّة، ويسلي عن الأوطان كلّ غريب، فغلّست في بعض الأيام، حين نصل خضاب الظّلام، وهتف أبو المنذر بالنّوّام لأخطو في خططها، وأقضي الوطر من توسّطها، فأدّاني الاختراق في مسالكها، والانصلات في سككها، إلى محلّة موسومة بالاحترام، منسوبة إلى بني حرام، ذات مساجد مشهودة، وحياض مورودة، ومبان وثيقة، ومغان أنيقة، وخصائص أثيرة، ومزايا كثيرة.
***
رحلت، أي شددت عليها الرّحل، والرّحل: سرج النّاقة، والعنس: الناقة القوية، شبّهت بالعنس وهي الصّخرة لصلابتها، قال الليث: إذا تمّ سنّ الناقة، واشتدّت قوّتها وصلبت عظامها وأعضاؤها فهي عنس. عرسي: زوجتي غرسي: أولادي. أحنّ: اشتاق.
عيان: معاينة ومشاهدة. خصائص: ما يختصّ به من الفضائل. معالمها: مواضعها المشهورة. والمآثر: الفضائل والمكارم، والمأثرة: الفضيلة يخصّ بها. مشاهدها:
مواضع اجتماع أهلها يوطئني ثراها: يجعلني أطؤها وأمشي عليها، وأوطأه الشيء: أمكنه من أن يطأه. الثرى: التّراب النديّ. ومرآها: منظرها. يمطيني قراها: يركبني ظهرها.