للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا ذات النّحيين فهي امرأة من تيم الله بن ثعلبة، حضرت سوق عكاظ ومعها نحيا سمن، فاستخلى بها خوّات بن جبير الأنصاري ليبتاعهما منها، ففتح أحدهما وذاقه ودفعه إليها، فأخذته بإحدى يديها، ثم فتح الآخر وذاقه ودفعه إليها، فأمسكته بيدها الأخرى ثم غشيها، وهي لا تقدر على الدّفع عن نفسها لحفظها فم النّحيين وشحّها على السمن. فلما قام عنها قالت له: لا هنأك، فضرب بها المثل فيمن شغل، وهي في هذا المثل مفعولة، لأنها شغلت. وأكثر الأفعال التي على أفعل تأتي من فعل الفاعل.

وأما قوله: أنف في السّماء واست في الماء، فيضرب هذا المثل لمن يكبر مقالا، ويصغر فعالا.

وأما قوله: أفرغ من حجّام ساباط، فذكر أنّه كان حجّاما ملازما ساباط المدائن يحجم الجنديّ بدانق نسيئة، وربّما مرّت عليه برهة لا يقربه فيها أحد فكان يبرز أمّه عند تمادي عطلته، فيحجمها لكيلا يقرّع بالبطالة، فما زال يحجمها حتى نزف دمها وماتت.

وأما قوله: يشكو إلى غير مصمت، فهو مثل يضرب لمن لا يكترث بشأن صاحبه، ولا يعبأ باستمرار شكايته، لأنه لو أشكاه لصمت. وأمسك عن الكلام، ومنه قول الراجز يخاطب جملا له: [الرجز]

إنّك لا تشكو إلى مصمّت (١) ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت

ونحو هذا المثل: هان على الأملس ما لاقى الدّبر.

وأمّا قوله: شغلت شعابي جدواي، فالمراد به أنه ليس يفضل عنّي ما أصرفه إلى غيري. والشّعاب: هي النّواحي، واحدها شعب.

وقوله: كلّ الحذاء يحتذي الحافي الوقع، معناه أن المجهود يقنع بما يجد، والواقع أن تصيب الحجارة القدم فتوهنها. فأما البعير الموقّع فهو الذي يكثر آثار الدبر بظهره.


(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (صمت)، وأساس البلاغة (صمت)، تاج العروس (صمت)، وجمهرة اللغة ص ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>