قوله: والشجاعة بآل أبي صفرة، أبو صفرة هو ظالم بن سراقة بن كنديّ بن عمرو ابن عدي، ويتّصل بعمرو مزيقيا، ثم بأزددبا، وأزددبا ما بين عمان والبحرين، وكانوا أسلموا ثم ارتدوا في خلافة أبي بكر، فبعث إليهم أبو بكر عكرمة بن أبي جهل، فقاتلهم وسبى ذراريّهم وبعث بهم إلى أبي بكر، وأبو صفرة غلام، فحبسهم أبو بكر، فلما توفي أطلقهم عمر، فنزل أبو صفرة البصرة، فشرف بها.
وروى بعضهم أنّ أبا صفرة طلب من عمر أن يولّيه عملا، فسأله عن اسمه فقال:
ظالم بن سرّاق، فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك! ولم يولّه عملا تطيّرا باسمه.
والمهلّبية تزعم أنّ أبا صفرة قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليه حلّة صفراء يسحبها خلفه ذراعين. وله طول ومنظر وفصاحة، فأعجب النبيّ صلى الله عليه وسلم ما رأى من جماله وخلقه، فقال له:«من أنت؟ » قال: أنا قاطع بن سارق بن ظالم بن عمرو بن شهاب بن مرة بن الهلقام ابن الجلندي بن المستكبر بن الجلندي، الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:«أنت أبو صفرة، ودع عنك ظالما وسارقا»، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله حقّا، إنّ لي لثمانية عشر ذكرا، ورزقت بآخرهم بنتا سميتها صفرة.
وأما أولاد أبي صفرة، فكانوا كتّابا شجعانا أبطالا حماة، منهم أبو سعيد المهلّب.
وذكروا أنّ أبا صفرة وفد على عمر رضي الله عنه ومعه عشرة من ولده- والمهلّب أصغرهم- فتوسّمهم عمر، ثم قال: هذا سيّد ولدك المهلّب، والمهلّب هو صاحب حروب الأزارقة، وولّاه عبد الملك خراسان بعد الأزارقة سنة تسع وسبعين، ومات سنة ثلاث وثمانين، واستخلف يزيد ابنه عليها، فأقرّه عبد الملك عليها سنتين أو ثلاثا. وغزا يزيد جرجان في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة سبع وتسعين، في ثلاثين ألف مقاتل، فقاتلهم أشهرا، ثم صالحهم على أن يعطوا خمسمائة ألف درهم كلّ عام، يؤدونها إليه، ثم غزا سنة ثمان وتسعين طبرستان، فصالحهم على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفران وأربعمائة رجل مع كلّ رجل برنس وطيلسان وخاتم فضة، وسرقة حرير وكسوة، فقبل ذلك وانصرف عنهم. ثم غدر أهل جرجان بمن خلّف عليهم من المسلمين فقتلوهم، فلما فرغ من طبرستان سار إليهم، فقاتلهم شهرا، ثم نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريّهم وصلبهم فرسخين، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى وادي جرجان، فقتلهم وأجري الماء في الوادي على الدّم، وعليه أرحاء بدمائهم تطحن، واختبز وأكل، وكان قد حلف على ذلك.
الأصمعيّ: قبض الحجاج على يزيد، وأخذه بسوء العذاب، فسأله أن يخفّف عنه العذاب على أن يعطيه كلّ يوم مائة ألف درهم، فكان دأبه أنه إذا أدّاها تركه، وإلّا عذّبه إلى الليل، فجمع يوما مائة ألف درهم، يشتري بها عذابه، فدخل عليه الأخطل فأنشده:[الطويل]