للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا خالد بادت خراسان بعدكم ... وقال ذوو الحاجات أين يزيد؟

فما سقي المروان بعدك قطرة ... ولا اخضرّ بالمروين بعدك عود

وما لسرير بعد ملكك بهجة ... ولا لجواد بعد جودك جود

فأعطاه المائة الألف. فبلغ ذلك الحجاج، فدعا به، وقال: يا مروزيّ، أكل هذا الكرم وأنت بهذه الحالة؟ قد وهبت لك عذاب اليوم وما بعده.

ابن عبد الحكم: أخبرنا الشافعيّ قال: طعن يزيد بن المهلّب رجلا من الخوارج، فصرعه فوثب الخارجيّ بالسيف، وهو يقول: [الطويل]

وإنّا لقوم لا نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا

وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الدم حتى نحسب الورد أشقرا

وليس بمعروف لنا أن نردّها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقّرا

قال يزيد: فكرهت أن أقتل مثله، فانصرفت عنه. وقتل يزيد يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من صفر سنة اثنتين ومائة، وهو ابن سبع وأربعين سنة.

وقيل للمهلّب: بم نلت ما نلت؟ قال: بطاعة الحزم، وعصيان الهوى. وقيل لأبي إسحاق الهمدانيّ: لم رويت عن المهلّب؟ قال: لأني لم أر أميرا أبين منه تقيّة ولا أشجع منه، ولا أبعد ممّا يكره، ولا أقرب ممّا يحبّ.

ومرّ المهلّب بقوم فعظّموه وسوّدوه، فقال رجل: ألهذا الأعور تسوّدون! والله لو خرج إلى السوق ما زادت قيمته على ألفي درهم، فسمعه المهلّب، فقال لبعض من معه:

أتعرف الرجل؟ قال: نعم، فلما انتهى إلى مجلسه أرسل إليه بألفي درهم. فقال له: لو زدتنا في القيمة لزدناك في العطيّة، فخجل الرجل، وعرف منزلته.

وللمهلّب وبنيه وإخوته في حروب الأزارقة مشاهد ما شوهدت قطّ في جاهلية ولا إسلام.

وقتل المهلّب وأولاده وإخوته ومن معه من الأزارقة في ليلة واحدة أربعة آلاف وثمانمائة، وانهزم بقيّتهم مع قطريّ، فنفاهم إلى أقاصي البلاد حتى قتل قطريّ ومن معه.

وسئل المهلب عن ابنيه: أيّهما أشجع أيزيد أم حبيب؟ فقال: إن الولد ربّما سبق رأي أبيه فيه، وقطريّ قد مارسهما، فسلوه عنهما. فلمّا كان من الغد واصطفّوا للقتال صاح رجل: يا أبا نعامة، فقال: أفرجوا له، ثم قال: قد سمعت فقل؛ فقال: إنّا سألنا الأمير عن ابنيه يزيد وحبيب: أيّهما أشجع، فقال: سلوا أبا نعامة، فقال: على الخبير سقطت، أمّا صاحب الكرّ والفرّ والإقدام والإحجام، وصحّة التدبير ومبارزة الكميّ المدجّج فالحرون يزيد، وأمّا إذا التقت غياطيل الليل، وخفتت الأصوات إلّا الغماغم، وقرع الحديد بالحديد فالخيار حبيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>