للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الغيطلة التباس الظلام، وخفتت: سكنت. والغمغمة: أصوات الأبطال في القتال-.

وسأل الحجاج كعب بن معدان الأشقريّ حين وفد عليه بالفتح، فقال له: أخبرني عن بني المهلّب، فقال: المغيرة فارسهم وسيدهم، وكفى بيزيد فارسا وشجاعا، وجوادهم وسخيّهم قبيصة، وما يستحي الشّجاع أن يفرّ من مدرك، وعبد الملك سمّ ناقع، وحبيب موت ذعاف، ومحمد ليث غاب. وكفاك بالمفضّل نجدة. فقال: كيف كانوا في البأس؟ قال حماة السّرح نهارا، فإذا أليلوا ففرسان البيات. قال: فأيّهم كان أنجد، قال: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفها.

وحين وفد المهلّب على الحجاج أجلسه إلى جانبه، وأظهر إكرامه، وقال: يا أهل العراق، أنتم عبيد المهلب، ثم قال له: أنت والله كما قال لقيط الإياديّ: [البسيط]

وقلّدوا أمركم لله درّكم ... رحب الذّراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفا إن رخا في الأمر ساعده ... ولا إذا عضّ مكروه به خشعا

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره ... يكون متّبعا طورا ومتّبعا

حتّى استمرّت على شزر مرارته ... مستحكم الرأي لا قحما ولا ضرعا

فقام رجل وقال: أصلح الله الأمير! والله لكأنّي أسمع الساعة قطريّا يقول للمهلّب كما قال لقيط الإياديّ ... وأنشد الأبيات، فامتلأ الحجاج سرورا ....

وقال له الحجاج: اذكر لي الذين أبلوا وصف لي بلاءهم، فقدّم بنيه، وقال: والله لو تقدّمهم أحد في البلاء لقدّمته عليهم، ولولا أن أظلمهم لأخّرتهم. فقال له الحجاج:

نعم إنهم لسيوف من سيوف الله تعالى في الأرض.

وقال يوما عبد الملك للشعراء: تشبّهونني مرة بالأسد الأبخر، والجبل الأوعر، والبحر الأجاج وبالصقر والباز، ألا قلتم كما قال كعب الأشقريّ في المهلب وبنيه:

[الوافر]

براك الله حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا غزارا

بنوك السّابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظم النّاس الفخارا

كأنهم نجوم حول بدر ... دجوجيّ تكمّل واستدارا

ملوك ينزلون بكلّ ثغر ... إذا ما الهام يوم الرّوع طارا

رزان في الأمور ترى عليهم ... من الشيخ الشمائل والنّجارا

نجوم يهتدى بهم إذا ما ... أخو الغمرات في الظلماء حارا

وفي ديوان الحماسة: [البسيط]

آل المهلّب قوم خوّلوا شرفا ... ما ناله عربيّ لا ولا كادا

<<  <  ج: ص:  >  >>