للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو قيل للمجد حد عنهم وخلّهم ... بما احتكمت من الدّنيا لما حادا

إنّ المكارم أرواح يكون لها ... آل المهلّب دون الناس أجسادا

ولبعضهم: [الوافر]

إذا كان المهلّب من ورائي ... هدا ليلي وقرّ له فؤادي

ولم أخش الدنيّة من أناس ... ولو صالوا بقوّة قوم عاد

وتوفّي المهلب بفنجديّة بصحراء راغول سنة ثلاث وثمانين؛ فبعد أربعمائة وثلاثين من وفاته، رأى بعض علماء فنج ديّه في المنام كأنّ المهلّب يقول: الله، الحقني قبل أن يأخذني روذمرو- وهو نهر عظيم يعبر عليه بالسفن- وانقلني إلى بعض مقابر المسلمين، وأنا مدفون على شاطئ هذا النهر الكبير في الموضع الفلاني، وقد حفر الماء تحت قبري، وقرب أن يأخذني، فلما أصبح الرجل أخذ جماعة من أصحابه معهم المساحي والفئوس فمضوا إلى ذلك الموضع، وحفروا حتى وصلوا إلى قالبه فكشفوا التراب عنه، فكانت عظامه ما بليت بعد، فدفنوه بمقبرة مذونة.

قال الفنجديهي: وهي محلتنا؛ وسمعت معنى هذه الحكاية من والدي رحمه الله.

***

فلمّا ألقيت الجران بنجران، واصطفيت بها الخلّان والجيران، اتخذت أنديتها معتمري، وموسم فكاهتي وسمري؛ فكنت أتعهّدها صباح مساء، وأظهر فيها على ما سرّ وساء؛ فبينما أنا في ناد محشود، ومحفل مشهود، إذ جثم لدينا همّ، عليه هدم؛ فحيّا تحيّة ملق، بلسان ذلق؛ ثم قال: يا بدور المحافل، وبحور النّوافل، قد بيّن الصّبح لذي عينين، وناب العيان مناب عدلين، فماذا ترون؟ فيما ترون أتحسنون العون، أم تنأون إذ تدعون! فقالوا: تالله لقد غظت، ورمت أن تنبط فغضت.

***

قوله: بنجران: بلد من كور نجد ممّا يلي بلاد اليمن، سمّيت بنجران بن زيد بن سبأ. اصطفيت: اخترت. الخلّان: الأصحاب. تخذت، بمعنى اتّخذت. أنديتها:

مجالسها ومجتمع أهلها. معتمري: موضع زيارتي، واعتمرت الموضع: قصدته وزرته.

موسم: عيد. فكاهتي: ممازحتي. سمري: حديثي بالليل. أتعهّدها: أتفقّدها صباح مساء: اسمان مركّبان جعلا كخمسة عشر، وأراد يزورها في الصباح والمساء. ناد محشود: مجلس مجموع الأهل، ومثله المحفل المشهود. جثم: برك. همّ: شيخ هرم، قد أذهب الكبر قوّته، ولحمه، وتقول: هممت الشّحم: أذبته، ومنه قولهم: هذا الأمر لا

<<  <  ج: ص:  >  >>