[[من الخطب الهزلية]]
ومما يتصل بخطبة المقامة من الخطب الهزلية ما حدّثوا:
أن رجلا خطب إلى قوم، وجاء يخطب، فاستفتح خطبة النكاح بحمد الله فأطال، ثم ذكر خلق السموات والأرض واقتصر، ثم ذكر القرون حتى ضجر من حضر، ثم التفت إلى الخاطب فقال: ما اسمك أعزك الله؟ فقال: والله قد نسيت اسمي من طول خطبتك، وهي طالق ثلاثا إن تزوّجتها بهذه الخطبة. فضحك القوم وعقدوا له في مجلس آخر.
أنكح خالد بن صفوان عبده أمته، فقال له العبد: لو دعوت الناس فخطبت. قال:
ادعهم أنت، فدعاهم، فلمّا اجتمعوا تكلّم خالد، فقال: إن الله أعظم وأجلّ من أن يذكر في نكاح هذين الكلبين، وأنا أشهدكم أني قد زوّجت هذه الزانية من هذا ابن الزانية.
خطب مصعب بن حيّان خطبة نكاح، فحصر فقال: لقّنوا موتاكم «لا إله إلا الله».
فقالت له الجارية: عجّل الله موتك، ألهذا دعوناك! .
خطب ثقيل في تزويج فأطال، فقام واحد من القوم، وقال: إذا فرغ الثقيل، بارك الله لكم، فإن عليّ شغلا أريد المبادرة فيه. وخطب رجل امرأة، فجعل يخطب وينعظ، فضرب رأس ذكره بيده وقال: مه! إليك يساق الحديث.
***
فلمّا فرغ الشيخ من خطبته، وأبرم للختن عقد خطبته، تساقط من النّثار ما استغرق حدّ الإكثار، وأغرى الشّحيح بالإيثار. ثم نهض الشيخ يسحب ذلاذله، ويقدم أراذله.
قال الحارث بن همّام: فتبعته لأنظر عرجة القوم، وأكمل بهجة اليوم. فعاج بهم إلى سماط زيّنته طهاته، وتناصفت في الحسن جهاته. فحين ربع كلّ شخص في ربضته، وطفق يرتع في روضته، انسللت من الصّف؛ وفررت من الزّحف فحانت من الشيخ لفتة إليّ، ونظرة هجم بها طرفه عليّ، فقال: إلى أين يا برم؟
هلّا عاشرت معاشرة من فيه كرم! فقلت: والّذي خلقها طباقا، وطبّقها إشراقا لا ذقت لماقا، ولا لست رقاقا، أو تخبرني: أين مدبّ صباك، ومن أين مهبّ صباك؟
فتنفّس الصّعداء مرارا، وأرسل البكاء مدرارا، حتّى إذا استنزف الدّمع، استنصت الجمع، وقال لي: أرعني السّمع.
***
قوله: أبرم، أي أحكم وسدّد والختن: وليّ الزوجة مثل الأب والأخ وابن العم،