للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمره أن يصادق قهارمة الدور ومدبّريها، ويرافق وكلاء المطابخ ومديريها، فإنهم يملكون من أصحابهم أزمّة مطاعمهم ومشاربهم.

وأمره أن يتعهد أسواق المتسوّقين ومواسم المتبايعين؛ فإذا رأى وظيفة قد زيد فيها، أو أطعمة قد احتشد منها، أتبعها إلى القصد بها، وشيّعها إلى المنزل الحاوي لها، واستعلم ميقات الدعوة، ومن يحضرها من أهل اليسار والثروة.

وأمره أن يجتنب مجامع العوامّ المقلين، ومحافل الرّعاع المقتّرين، وألّا ينقل إليها قدما، ولا يغفر لمآكلها فما، فإنها عصابة تجتمع على مضض النّفوس والأحوال. وقلة الأحلام والأموال، وفي التطفيل عليها إحجاف بها يؤلم وإزراء بمروءة التطفيل يثلم.

وأمره أن يحوز الخوان إذا حصل، والطعام إذا نقل، حتى يعرف بالحدس والتخمين عدد الألوان في الكثرة والقلة، وافتنانها في الطّيب واللذة، فيقدّر لنفسه أن يشبع مع آخرها، وينتهي عند انتهائها، فلا يفوته نصيب من كثيرها وقليلها، ولا يخطئه الحظّ من دقيقها وجليلها. ومتى أحسّ بنقلة الطعام وحجره، أمعن في أوّله إمعان الكيّس في سعيه، والرشيد في أمره، فإنه إذا فعل ذلك سلم من عواقب الأغمار الذين يكفون طرفا، ويقلّون تأدبا، ويظنون أن المائدة تبلغهم إلى آخر حاجتهم، وتنتهي بهم إلى حدّ غايتهم، فلا يلبثون أن يخجلوا خجلة الوامق الراغب، وينقلبوا بحسرةالراهق الخائب.

وأمره أن يروض نفسه، ويغالط حسّه، ويضرب عن كثير مما يلحقه صفحا، ويطوي دونه كشحا، ويستحسن الصّمم عن الفحشاء، ويغمض عن اللقمة الخشناء، وإن أتته الوكزة في حلقه، صبر عليها لأجل الوصول إلى حقه، وإن وقعت الصفعة في رأسه، عضّ عليها بمواقع أضراسه، وإن لقيه لاق بالجفاء، قابله باللطف والصفاء، إذا كان ولج الأبواب، وخالط الأصحاب، وجلس مع الحضور، واختلط بالجمهور، فلا بد أن يلقاه المنكر لأمره، ويمرّ به المستغرب لوجهه، فإن كان حرّا حسنا أمسك وتذمّم، وإن كان فظّا غليظا همهم وتكلّم. وأن يستعمل مع المخاطب له الملاينة، وأن يجتنب عند ذلك المخاشنة ليردّ غيظه ويقلّ حده، ويكفّ غربه ويأمن سعيه. وأمره أن يتعهد الجوارشات المعدّة للعدد، والمقويّة للمعد، المشهية للطعام، المسهلة سبيل الانهضام، وأن يكون في اتخاذها كالكاتب الذي يخطّ أقلامه، والفارس الذي يصقل حسامه.

وأمره إذا غشي أبواب الملوك وأهل السلطان، أن يصانع البوّاب والحجاب ويخدم القوّاد والكتّاب، فإذا دخل السواد الأعظم، توسط الجمع لا يتأخّر ولا يتقدّم، بعد أن يجمل ثيابه، ويحسّن كلامه وجوابه، فطعام الأمراء تدعى إليه الحفلاء احتفالا، ويتكفّل بالوفود على العموم اكتفالا.

فهذا العهد مطابق لأحوال هذه المقامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>