وابغ رضا الله، فأغبى الورى ... من أسخط المولى وأرضى العبيد
ثم إنه ودّع أخدانه، وانطلق يسحب أردانه. فطلبناه من بعد بالرّيّ، واستنشرنا خبره من مدارج الطيّ؛ فما فينا من عرف قراره، ولا درى أيّ الجراد عاره.
***
[[عمرو بن عبيد الزاهد]]
قوله:«ولا عمرو بن عبيد»، هو الزاهد الذي كان يسكن بالبصرة ويجالس الحسن البصري؛ حتى حفظ عنه شيئا كثيرا من علومه، واشتهر فضله بصحبته، وكان له سمت وإظهار زهد.
ورآه الحسن يوما فقال: هذا سيد شباب أهل البصرة إن لم يحدّث. ثم اعتزله ونهى عنه، فقال بالعزل ودعا إليه، وترك مذهب أهل السنة، واعتزل الحسن البصريّ، ونسبت إليه المعتزلة.
فأما قيامه الذي ذكره فهو دخوله على المنصور في جماعة من أهل العلم، فاستشارهم في أمر، فكلهم أشار عليه بمراده إلا عمرا فإنه لم يصحبهم ونصحه، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ هذا الأمر لو كان باقيا لأحد قبلك لما وصلك، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ [الفجر: ٧]، قال: فبكى المنصور حتى بلّ ثوبه، فقال الربيع: يا عمرو، غممت أمير المؤمنين، فقال عمرو: إن هذا- يعني الربيع- صحبك عشرين سنة، ما نصحك يوما واحدا، وما عمل وزراؤك بشيء من كتاب الله تعالى. فقال له المنصور: فماذا أصنع؟ هذا خاتمي في يدك، فخذه أنت وأصحابك، فاكفوني فقال عمرو: ادعنا بعدلك تسمح أنفسنا بعونك، ببابك ألف مظلمة، اردد منها واحدة حتى نعلم أنك صادق.
ويروى أنه قال له المنصور: أعنّي بأصحابك، فقال: ارفع علم الحقّ يتبعك أهله.
ثم قال له المنصور: ما حاجتك يا أبا عثمان؟ فقال له: تأمر برفع هذا الطيلسان عني، فرفع. وكان أمر المنصور أن يطرح عليه عند دخوله. فقال له: لا تدع إتياننا، قال: نعم، لا يضمّني وإياك بلد إلا أتيتك، وإن بدت لي حاجة إليك سألتك، ولكن لا تعطني حتى أسألك، ولا تدعني حتى آتيك، قال: إذا لا تأتينا أبدا، فلما ولّوا للخروج، أتبعهم المنصور بصره، ثم قال:[مجزوء الرمل]
كلّكم يمشي رويد ... كلكم حابل صيد
* غير عمرو بن عبيد*
وكان جدّه باب من سبي فارس، وكان أبوه عبيد بن باب نسّاجا، ثم تحوّل فصار للحجّاج شرطيّا بالبصرة. وكان فظّا غليظا خسيسا، وبلغه أن الناس إذا رأوا ابنه قالوا:
هذا خير الناس، ابن شرّ الناس، فقال: صدقوا، أنا كآزر وابني كإبراهيم.
وقال إسحاق بن الفضل: بينما أنا واقف إلى جنب عمارة بن حمزة بباب المنصور، إذ