للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عكس لم ينتقض، بل يكون كل مشبه بصاحبه مثل صاحبه، ويكون صاحبه مشبها به صورة ومعنى، كقول امرئ القيس: [الطويل]

نظرت إليها والنجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال (١)

فتشبيه النجوم بالمصابيح لفرط ضيائها صحيح، وتشبيه المصابيح بالنجوم صحيح، وربما أشبه الشيء صورة، وخالفه معنى. وقد تقدّم ذكر ذلك في الثانية، وربما قاربه وداناه وشابهه مجازا لا حقيقة.

وأدوات التشبيه كأنّ والكاف ومثل، وتسقط الكاف مع المصدر فيشبّه بالمصدر، وقد يشبّه بقولهم: تخاله وتحسبه، فما كان منه صادقا قيل فيه «كأنه» أو كذا، وما قارب الصدق قيل فيه: تراه أو تخاله؛ فإذا حققت هذا الفصل انكشفت لك أسرار التشبيه، وقد تقدّم نوع من التشبيه في الثانية، وسيأتي في الأربعين تشبيهات الغريب العقم في حكاية الأصمعي.

[الاستعارة]

هي من العارية لأنّ الشاعر يعير المعنى ألفاظا غير لفظه الموضوع له، وهي على ثلاثة أوجه: أحدهما يستعيره الشاعر من الألفاظ على سبيل التمثيل وتتميم المعاني، وهذا الضرب يعدّ في البديع ومحاسن الشعر، وهو كثير في كلامهم، وعليه انبنى كتاب المقامات، وقلّما يوجد بيت يخلو منه، وما جاء منه في القرآن سماه بعضهم مجازا وأباه بعضهم، نحو قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء: ٢٤]، وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: ٤] وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «دبّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء» (٢).

وقال امرؤ القيس: [الطويل]

* وليل كموج البحر أرخى سدوله (٣) *

وقال علقمة وهو بديع: [البسيط]

* والصبح بالكوكب الدريّ منحور (٤) *


(١) البيت في ديوان امرئ القيس ص ٣١، وخزانة الأدب ١/ ٣٢٨، والدرر ٤/ ١٣، وهو بلا نسبة في همع الهوامع ١/ ٢٤٦.
(٢) أخرجه الترمذي في القيامة باب ٥٦، وأحمد في المسند ١/ ١٦٥، ١٦٧.
(٣) عجزه:
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
والبيت لامرئ القيس في ديوانه ص ١٨، وخزانة الأدب ٢/ ٣٢٦، ٣/ ٢٧١، وشرح شواهد المغني ٢/ ٥٧٤، ٧٨٢، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧٢، والمقاصد النحوية ٣/ ٣٣٨، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣/ ٧٥، وشرح الأشموني ٢/ ٣٠٠، وشرح شذور الذهب ص ٤١٥.
(٤) صدره:
أوردتهم وصدور العيس مسفة

<<  <  ج: ص:  >  >>