للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وباتت العروس بليلة شيباء، إذا غشيها زوجها.

الفنجديهي: رأيت: بخط الحريري رحمه الله تعالى: [الخفيف]

طيّبوها ولم أطيّب بطيب ... ربّ منع ألذّ من إعطاء

بتّ في درعها وباتت ضجيعي ... في بصير وليلة شيباء

البصير هنا: قطعة من دم:

وقد أتينا على ما في هذه المسائل من الغريب في الظاهر، وأمّا ما قصده من المعمّى فهو مفسّر في الأصل، وقد أحسن أبو محمد في هذه الفتاوى وبلغ منه الاقتدار والاتساع فوق المراد، وإن كان لا يوصف فيها الابتداع، فقد أحسن في الاتّباع.

[[الملاحن والمعاريض]]

والسابق إلى هذا المعنى أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى في كتاب سمّاه بالملاحن، وهي من اللّحن، وهو أن تورّي بلفظ عن لفظ.

ثم تمم تلك الأغراض وحسّنها أحمد بن عبيد الله في كتاب سمّاه بالمنقذ.

وفائدة حفظ هذه الأغراض أن يخوّف الرجل أو يروّعه أمير ظالم أو مسلّط غاشم، فيتخلّص منه بهذه المعاريض. فأما أن يقطع بها حقّ مسلم فلا سبيل إليها، ومعتمدهم فيها حديث عمران بن حصين أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم، قال: «إن في المعاريض مندوحة عن الكذب» (١).

وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «عجيب لمن يحسن المعاريض كيف يكذب، ولمن لاحن النّاس كيف لا يعرف جوامع الكلم! » (٢).

وقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم لطلائع المشركين حين لقوه في نفر من أصحابه، فقالوا: ممّن أنتم؟

قالوا: من ماء، فتركوهم، وأراد فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٦].

وقوله صلّى الله عليه وسلم في مزاحه لإحدى عماته «إن الجنة لا تدخلها عجوز»، فلمّا جزعت قال لها «إن الله تعالى يخلقهم يود القيامة أبكارا».

وقال لامرأة: «ما فعل زوجك الذي في عينيه بياض»؟ فلمّا جزعت قال: لها: «أوليس في كلّ عين بياض»؟

وقال له رجل: احملني، قال: ما عندي إلا ولد الناقة، فقال: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: «وهل الإبل إلا من النّوق! ».

فاستجيزت المعاريض على هذا النحو من المزاح أو التخويف.


(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ١١٦، ورواه ابن الأثير الجزي في النهاية في غريب الحديث ٣/ ٢١٢.
(٢) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية ٣/ ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>