للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترتفع، شيمة: طبيعة، أي لولا شؤم الأيام لم تتغير الطباع، أي لو استقامت هي لاستقامت أحوال الناس فيها، فكان كل إنسان يدرك منها على قدر منزلته.

***

[[مما قيل في ذم الزمان]]

ومما قيل في ذمّ الزمان مما يوافق هذا المعنى، أنّ عبد الملك بن مروان سأل مسلمة بن يزيد- وكان من المعمّرين- فقال: أيّ الملوك رأيت أكمل؟ وأيّ الزمان رأيت أفضل؟ فقال: أمّا الملوك فلم أر إلا حامدا أو ذامّا، وأمّا الزمان فيرفع أقواما ويضع أقواما، وكلّهم يذمّ زمانه. لأنه يبلي جديدهم، ويفرّق عديدهم، ويهرم صغيرهم، ويهلك كبيرهم.

أبو جعفر الشيبانيّ قال: أتانا أبو ميّاس الشاعر، ونحن في جماعة، فقال: ما أنتم فيه؟ قلنا: نذكر الزمان وفساده، قال: كلّا إنّ الزمان وعاء، وما ألقي فيه من خير أو شر كان على حاله، ثم أنشأ يقول: [الوافر]

أرى حللا تصان على رجال ... وأخلاقا تذال ولا تصان

يقولون الزّمان به فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان

وقال آخر: [المتقارب]

أيا دهر إن كنت عاديتنا ... فها قد صنعت بنا ما كفاكا

جعلت الشّرار علينا خيارا ... وأوليتنا بعد وجه قفاكا

وقال أبو العتاهية: [الطويل]

كفاك عن الدّنيا الذميمة مخبرا ... غنى باخليها وافتقار كرامها

وأن رجال النّفع تحت مداسها ... وأنّ رجال الضرّ فوق سنامها

وقال ابن لنكك: [مجزوء الرمل]

يا زمانا ألبس الأح ... رار ذلّا ومهانه

لست عندي بزمان ... إنّما أنت زمانه

وقال ابن الرومي: [الكامل]

دهر علا قدر الوضيع به ... وغدا الشّريف يحطّه شرفه

كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلا ويطفو فوقه جيفه

وكرّره فقال: [البسيط]

قالت علا الناس إلا أنت قلت لها: ... كذاك يسفل في الميزان ما رجحا

<<  <  ج: ص:  >  >>