للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغنّته، فقال: أظنّهما تهاميّين، فقال للأخرى: يا سيدتي أين المستراح؟ فقالت لصاحبتها: ما يقول لك؟ قالت: يسألك أن تغنّيه: [الكامل]

ترك الفكاهة والمزاحا ... وقلّى الصّبابة فاستراحا

فغنّته، والمولى يسمع، فلما كربه الأمر أنشأ يقول: [الوافر]

تكنّفني الملاح وأضجروني ... على ما بي بتكرير الأغاني

فلمّا ضاق عن ذاك اصطباري ... ذرفت به على وجه الزواني

ثم حلّ سراويله، وسلح عليهما، فتركهما آية للناظرين. وانتبه مولاهما، فلمّا رأى ما نزل بهما، قال له: يا أخي ما حملك على هذا؟ قال له: يا بن الزانية، لك جوار يرين المخرج صراطا مستقيما فلا يدللنني عليه، فلم يكن لهنّ جزاء عندي غير هذا، ثم رحل عنه.

فيقول أبو محمد: لا بأس للإنسان أن يأتي المواضع الخسيسة عند الضرورة، وأصل الكنيف الساتر.

***

فلمّا شهدت موسمه، وشاهدت ميسمه، رأيت شيخا هيئته نظيفة، وحركته خفيفة. وعليه من النّظارة أطواق، ومن الزّحام طباق، وبين يديه فتى كالصّمصامة، مستهدف للحجامة، والشيخ يقول له: أراك قد أبرزت رأسك، قبل أن تبرز قرطاسك، وولّيتني قذالك، ولم تقل: لي ذلك، ولست ممّن يبيع نقدا بدين، ولا يطلب أثرا بعد عين، فإن أنت رضخت بالعين، حجمت في الأخدعين. وإن كنت ترى الشّحّ أولى، وخزن الفلس في النّفس أحلى، فاقرأ عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:

١]، واغرب عنّي وإلّا؛ فقال الفتى: والّذي حرّم صوغ المين؛ كما حرّم صيد الحرمين؛ إني لأفلس من ابن يومين، فثق بسيل تلعتي، وأنظرني إلى سعتي.

***

موسمه: مجتمعه وسوقه. ميسمه: علامته. النظارة: الناس الناظرون أطواق: أي حلقة خلف حلقة، قد استداروا حوله. والطّباق: الذي طوبق، فجعل بعضه على بعض، شبّه به ركوب بعض النّاس بعضا.

[[الصمصامة]]

والصّمصامة: سيف عمرو بن معد يكرب، وكانت تقطع الحديد كما يقطع الحديد الخشب. وبعث ملك الهند إلى الرّشيد بسيوف قلعيّة، وكلاب سلوقيّة، وثياب هندية،

<<  <  ج: ص:  >  >>