للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: «مذ لم أزل»، أي مذ بنت ووجدت. انتشر: ذهب. عتب: لام وسخط فعله. خرافته: حديثه الملهى.

[[حديث خرافة]]

وحديث خرافة مثل سائر على ألسنة الناس في القديم والحديث، يضرب لكلّ حديث لا حقيقة له. ووقع في أمثال المفضّل بسند يصل إلى عائشة رضي الله عنها، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: حدّثني حديث خرافة (١)، فقال: رحم الله خرافة، كان رجلا صالحا، فأخبرني أنه خرج ذات، ليلة فلقي ثلاثة نفر من الجنّ فسبّوه، فقال أحدهم: نعفو عنه، وقال آخر نقتله، وقال آخر: نستعبده، فبينما هم يتشاورون في أمره، إذ ورد عليهم رجل، فقال: السلام عليكم. فقالوا: وعليك السلام، قال: وما أنتم؟ قالوا: نفر من الجنّ، أسرنا هذا فنحن نأتمر في أمره، فقال: إن حدّثتكم حديثا عجيبا، أتشركونني فيه؟

قالوا: نعم، قال: إني كنت ذا نعمة فزالت، وركبني دين، فخرجت هاربا، فأصابني عطش شديد، فسرت إلى بئر فنزلت لأشرب، فصاح بي صائح من البئر: مه! فخرجت منها ولم أشرب، فغلبني العطش، فعدت، فصاح بي، ثم عدت الثالثة فشربت، ولم ألتفت إليه فقال: اللهم إن كان رجلا فحوّله امرأة، وإن كان امرأة فحوّلها رجلا، فإذا أنا امرأة، فأتيت مدينة فتزوّجني رجل، فولدت منه ولدين، ثم عدت إلى بلدي، فمررت بالبئر التي شربت منها، فنزلت فصاح بي كما صاح في الأول، فشربت ولم ألتفت له، فدعا كالأول، فعدت رجلا كما كنت. فأتيت بلدي، فتزوجت امرأة، فولدت منها ولدين، فلي ابنان من ظهري وابنان من بطني. فقالوا: إن هذا لعجيب، أنت شريكنا، فبينما هم يتشاورون إذ ورد عليهم ثور يطير فلما جاوزهم، إذا رجل بيده خشبة، وهو يحفز في إثره، فوقف عليهم فسلّم، فردّوا وسألهم، فردّوا عليه مثل ردهم على صاحبهم؛ فقال: إن حدّثتكم بحديث أعجب من هذا أتشركونني فيه؟ قالوا: نعم قال:

كان لي عمّ، وكان موسرا، وكان له ابنة جميلة، وكنّا سبعة إخوة، وكان لعمّي عجل يربّيه، فانفلت، فقال: أيّكم يردّه فابنتي له؛ فأخذت خشبتي هذه، واتّزرت، ثم حفزت في إثره وأنا غلام، وقد شبت، فلا أنا ألحقه ولا هو يكلّ؛ فقالوا: إن هذا لعجب، أقعد فأنت شريكنا. فبينما هم يتشاورون، إذ ورد عليهم رجل على فرس أنثى، وخلفه غلام على فرس ذكر، فسلّم كما سلّم صاحباه فردّوا عليه كردّهم على صاحبيه. فسألهم فأخبروه الخبر، فقال لهم: إن حدثتكم بحديث أغرب من هذا، أتشركونني فيه؟ فقالوا نعم، قال: كانت لي أمّ خبيثة- ثم قال للفرس الأنثى الذي تحته: أكذلك هو فقالت:

برأسها نعم- قال: وكنت أتّهمها بهذا العبد- وأشار إلى الفرس، الذي تحت غلامه:

أهكذا؟ فقال برأسه: نعم- فوجّهت بغلامي هذا الراكب ذات يوم في بعض حاجاتي،


(١) أخرجه أحمد في المسند ٦/ ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>