فقال: لو تمادت بهم الرحلة لكانوا في سير متّصل، قد جهل الكلام الفصيح فأراد:
طالت بنا هذه السفرة. وتمادى الشيء فهو متماد، إذا طال فيه المدى، وهو الغاية البعيدة. يقول: تأخّرنا عن السفر اليوم لتمادينا في انتظاره، فطالت علينا السفرة لعطلة السفر، حتى أضعنا اليوم الذي انتظرناه فيه حيث لم نسافر فيه. والزمان: اليوم. بأن:
تبيّن. مان: كذب؛ يقال منه: مان يمين مينا، وأما مانه يمونه مونا، فقام بمؤنته. قوله:
«فتأهّبوا»، استعدوا. الظعن: الرحيل ولا تلوّوا: تعرّجوا. خضراء الدمن: عشب المزابل، هي حسنة المنظر سيّئة المخبر، وإذا يبست لم ينتفع بعودها لخوره وضعفه، فشبّه بها أبا زيد لحسن ظاهره فيما أبدى لهم من فصاحته، وسوء باطنه في كذبه وإخلاف وعده، حتى عطّلهم عن سفرهم نهارا في انتظاره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وخضراء الدّمن»، فقيل له: وما خضراء الدمن؟ فقال: «الجارية الحسناء في المنبت السوء».
***
ونهضت لأحدج راحلتي، وأتحمّل لرحلتي، فوجدت أبا زيد قد كتب، على القتب: [الكامل]
يا من غدا لي ساعدا ... ومساعدا دون البشر
لا تحسبن أنّي نأيت ... ك عن ملال أو أشر
لكنّني مذ لم أزل ... ممّن إذا طعم انتشر
قال: فأقرأت الجماعة القتب، ليعذره من كان عتب فأعجبوا بخرافته، وتعوّذوا من آفته.
ثمّ إنا ظعنّا ولم ندر من اعتاض عنّا.
***
قوله: «أحدج»: أي اجعل عليها الحدج، وهو مركب من مراكب النساء، وأراد أرحل الناقة. وراحلته: ناقته. أتحمّل لرحلتي، أوقر حملي للرحيل، يقال: تحمّل القوم، إذا عبّوا أحمال. هم وارتحلوا. والقتب: الرّحل. قوله: «ساعدا»، أي ذراعا يستعين به. مساعدا: موافقا. نأيتك: بعدت عنك. أشر: بطر وعدم شكر، يقال: أشر الرّجل يأشر أشرا، إذا بطر، قال الأخطل يذكر بني أمية: [البسيط]
أعطاكم الله جدّا تنصرون به ... لا جدّ إلا صغير بعد محتقر (١)
لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه ... ولو يكون لقوم غيرهم أشروا
(١) البيتان في ديوان الأخطل ص ١٠٤.