للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أأشكو نداه بعد أن وسع الورى ... ومن ذا يذمّ الغيث إلا مذمّم!

وله أيضا في انتقاض صلح بين عشيرته: [الوافر]

إذا ما الجرح رمّ على فساد ... تبيّن فيه تفريط الطّبيب (١)

وللسّهم السّديد أشد حبّا ... إلى الرامي من السهم المصيب

ومن جيّد شعره: [الطويل]

ولما التقينا واللّوى موعد لنا ... تبيّن رائي الدرّ حسنا ولا قطه (٢)

فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه

والبحتريّ مكثر جدّا، وديوان شعره نسخ مختلفا بالزيادة والنقص؛ لأن شعره لا ينضبط لكثرته.

[[وصية أبي تمام للبحتري]]

قال البحتريّ: كنت أروم الشعر في حداثتي، وكنت أرجع فيه إلى الطبع، ولم أكن أقف على تسهيل مأخذه ووجوه اقتضائه، حتى قصدت أبا تمّام، وانقطعت فيه إليه، واتّكلت في تعريفه عليه، فكان أوّل ما قال لي: يا أبا عبادة، تخيّر الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم. واعلم أنّ العادة جرت في الأوقات أن يقصدها الإنسان لتأليف الشيء، أو حفظه في وقت السّحر، وذلك أن النفس تكون قد أخذت بحظها في الراحة، وقسطها من النوم، فإن أردت التشبيب، فاجعل اللفظ رقيقا، والمعني رشيقا، وأكثر فيه بيان الصّبابة، وتوجع الكآبة، وقلق الأشواق، ولوعة الفراق؛ فإذا أخذت في مدح سيّد [ذي أياد]، فأشهر مناقبه، وأظهر مناسبه، وابن معالمه، وشرّف مقامه، ونضّد المعاني، واحذر المحتمل منها. وإيّاك أن تشين شعرك بالألفاظ الهجينة، وكن كأنك خيّاط تقطع الثياب على مقادير الأجسام، وإذا عارضك الضّجر فأرح نفسك، ولا تعمل شعرا إلا وأنت فارغ القلب. واجعل شهوتك إلى قول الشعر الذّريعة إلى حسن نظمه، فإن الشهوة تجمع النفس. وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سبق من شعر الماضين، فما استحسن العلماء فاقصده، وما تركوه فاجتنبه؛ ترشد إن شاء الله تعالى.

قال: فأعملت نفسي فيما قال، فوقفت على السياسة.

***

فقال: هل عثرت له فيما لمحته، على بديع استملحته؟ قال: نعم، قوله: [السريع]

كأنّما يبسم عن لؤلؤ ... منضّد أو برد أو أقاح (٣)


(١) ديوان البحتري ص ١٩٠.
(٢) ديوان البحتري ص ١٢٣٠.
(٣) البيت بلا نسبة في تاج العروس (ظلم).

<<  <  ج: ص:  >  >>