الآخر، وليكن بين كلّ ضرطتين فرجة، فلما وضعت المائدة فعلوا ذلك، فأخذ أبو علقمة المائدة، وقام بها، فقيل له: إلى أين يا أبا علقمة؟ قال: إلى الكنيف، فمن أراد منكم أن يخرأ كان قريبا.
وجلس ثقيل إلى بشار، فضرط بشار ضرطة منكرة، فظن الرّجل أنها فلتة، فمشى في حديثه، فضرط بشار ثانية وثالثة، فقال له: ما هذا يا أبا معاذ؟ قال: رأيت أو سمعت؟
قال: قال: بل سمعت، كلّ ما سمعت ريح لا تصدق حتى ترى.
***
قوله: حقّه، أي وعاء الطّيب، ويقال له: حقّ والجمع حقاق، وتبدل عامتنا من قافه كافا، والروائح العطرة مضرّة بهذه الهوام المنتنة، وقد قال المتنبي:[البسيط]
بذي الغباوة من إنشادها ضرر ... تضرّ كما تضرّ رياح الورد بالجعل (١)
قوله هبك، أي حسبك.
***
[[الحسن بن أبي الحسن البصري]]
وأما الحسن فهو أبو سعيد بن أبي الحسن البصريّ، وهو من التابعين. ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأمّه اسمها خيرة، وكانت مولاة لأمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تعطيه ثديها إذا اشتغلت أمه، فدرّ ثديها له باللبن، فأظهر الله تعالى بركة ذلك اللبن عليه. وأبوه مولى لامرأة من الأنصار، وقيل إن أبويه كانا مملوكين لرجل من بني النّجّار، فتزوج امرأة في بني سلمة من الأنصار، فساقهما إليها من مهرها فأعتقتهما، وكان أحسن النّاس لفظا، وأبلغهم وعظا، وكان زاهدا عالما مقدّما في العلم والدين على نظرائه من التابعين.
وكان الحجّاج له معظّما ومتعجّبا من فصاحته، ولم ينفكّ من مجلس وعظ أو تدريس علم، إلى أن مات رحمه الله تعالى.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت قطّ أوعظ ولا أفصح من الحسن البصريّ.
وقال أبو أيوب السّختيانيّ: ما سمع أحد كلام الحسن البصريّ إلّا ثقل عليه كلام الرجال.
قال حميد: قال لي الشعبيّ ونحن بمكة: أحبّ أن اختلي بالحسن، فقلت: ذلك للحسن، فقال: إذا شاء، فجاء الشعبيّ، فقلت له: ادخل عليه، فإنه في البيت وحده،