فنظر إليّ نظرة الخادع إلى المخدوع وضحك حتّى تغرغرت مقلتاه بالدّموع، وأنشد: [مخلع البسيط]
يا من تظنّى السّراب ماء ... لمّا رويت الّذي رويت
ما خلت أن يستسرّ مكري ... وأن يخيل الّذي عنيت
والله ما برّة بعرسي ... ولا لي ابن به اكتنيت
وإنّما لي فنون سحر ... أبدعت فيها وما اقتديت
لم يحكها الأصمعيّ فيما ... حكى، ولا حاكها الكميت
تخذتها وصلة إلى ما ... تجنيه كفّي متى اشتهيت
ولو تعافيتها لحالت ... حالي، ولم أحو ما حويت
فمهّد العذر أو فسامح ... إن كنت أجرمت أو جنيت
ثمّ إنّه ودعني ومضى، وأودع قلبي جمر الغضى.
***
تغرغرت: امتلأت. تظنّى: حسب. حلت: حسبت. يستسرّ: يخفي. مكري:
خداعي. يخيل: يلبّس ويشبّه. عرسي: زوجتي. فنون: أنواع. أبدعت فيها: أحدثتها ولم أقتد بغيري فيها. يحكها: يحدّث بها. حاكها: نسجها وقال مثلها. الأصمعيّ مذكور في المقامة الأربعين.
[[الكميت الشاعر]]
وأما الكميت الشاعر، فهو ابن زيد الأسديّ، وهو شاعر مجيد مكثر جدّا، وديوان شعره مستعمل مشهور؛ ولمّا قال قصائده الهاشميّات قصد البصرة، فأتى الفرزدق فقال:
يا أبا فراس، أنا ابن أخيك، فقال: ومن أنت؟ فانتسب له، قال: صدقت، وما حاجتك؟
قال: أنت شيخ مضر وشاعرها، وأحببت أن أعرض عليك ما قلت، فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن كان غير ذلك أمرتني بستره: قال: يا ابن أخي، أحسب شعرك على قدر عقلك، فقل راشدا، فأنشده: [الطويل]
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب (١)!
قال: بلى، فالعب، فأنشده: [الطويل]
(١) البيت للكميت في جواهر الأدب ص ٣٩، وخزانة الأدب ٤/ ٣١٣، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٩، ١١/ ١٢٣، والدرر ٣/ ٨١، وشرح شواهد المغني ص ٣٤، والمحتسب ١/ ٥٠، ٢/ ٢٠٥، ومغني اللبيب ص ١٤، والمقاصد النحوية ٣/ ١١٢، وبلا نسبة في الدرر ٥/ ١١٢، وهمع الهوامع ٢/ ٦٩.