للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطرّبني بنان مخضّب (١)

قال: ما يتطرّبك إذا؟ فقال: [الطويل]

لا أنا ممّن يزجر الطير همّه ... أصاح غراب أم تعرّض ثعلب

قال: أنت ممّن؟ ويحك! وإلى من تسمو؟ قال: [الطويل]

ولا السانحات البارحات عشيّة ... أمرّ صحيح القرن أم مرّ أعضب

قال: أمّا هذا فقد أحسنت فيه، قال: [الطويل]

ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب

قال: فمن هم ويحك! فقال: [الطويل]

إلى النّفر البيض الّذين بحبّهم ... إلى الله فيما نابني أتقرّب

فقال: أرحني ويحك! من هؤلاء؟ فقال: [الطويل]

بني هاشم رهط النّبيّ فإنّني ... بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب

فقال: لله درّك يا بنيّ! فقد أصبت وأحسنت، إذ عدلت عن الزّعانف والأوباش، إذا لا يصرد سهمك (٢)، ولا يثلب قولك. ثم مرّ فيها، فقال: أظهر وأشهر، فأنت أشعر من مضى، وأشعر من بقي.

فحينئذ قدم المدينة، فأتى عبد الله بن الحسين، فأنشده، فقال: يا أبا المستهلّ، إنّ لي ضيعة أعطيت فيها أربعة آلاف دينار وهذا كتابها، وقد أشهدت لك بها شهودا، فقال:

بأبي أنت وأمي! كنت أقول الشعر لغيركم أريد به الدنيا والمال، ولا والله ما قلت فيكم شيئا إلا لله، وما كنت لآخذ في شيء جعلته لله ثمنا. فلما أبى عليه أخذ مئزره، فدفعه إلى أربعة غلمان، فجعل يدور به دور بني هاشم، ويقول: هذا الكميت، قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم، وعرّض دمه لبني أميّة، فأثيبوه بما قدرتم. فاجتمع له من حلى النساء ومن الدنانير والدراهم ما قيمته مائة ألف درهم، فجاء بها إلى الكميت، وقال: يا أبا المستهلّ أتيناك بجهد المقلّ، ونحن في دولة عدوّنا، فاستعن بهذا على دهرك، فقال: بأبي أنت وأمي، قد أكثرتم وأطنبتم، وما أردت بمدحي إيّاكم إلا الله، فأردده إلى أهله. فجهد به بكل حيلة، فأبى، فقال: أما إذا أبيت أن تقبل، فإن رأيت أن تقول شعرا تغضب به بين النزاريّة واليمنيّة لعل فتنة تحدث، فنخرج بين أضغانها، فقال قصيدته التي أولها: [الوافر]


(١) البيت في شرح هاشميات الكميت ص ٤٣، ولسان العرب (طراب)، وتاج العروس (طرب)، وأساس البلاغة (طرب).
(٢) أصرد السهم: أخطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>