للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا حيّيت عنّا يا مدينا ... وهل بأس بقول مسلمينا (١)!

فعرّض فيها، وصاح باليمن فيما كان من أمر الحبشة وغيرهم؛ مثل قوله: [الوافر]

لنا قمر السماء وكلّ نجم ... تشير إليه أيدي المهتدينا

وما ضربت هجان بني نزار ... هوائج من فحول الأعجمينا

وما حملوا الحمير على عتاق ... مضمّرة فيلفوا مبلغينا

ومشت في العرب، فافتخرت نزار على اليمن واليمن على نزار، وثارت العصبية في البادية والحاضرة، وتحزّب الناس، فتعصّب مروان بن محمد لقومه من نزار على اليمن، فانحرفت عنه إلى الدعوة العباسية وكان الكميت سبب ذلك.

وكان لامتداحه بني هاشم وتعريضه ببني أمية، يطلبه خلفاء بني أميّة، فهرب منهم عشرين سنة، فجدّ هشام بن عبد الملك في طلبه ولم يجده، ولم يستقرّ للكميت قرار من خوفه. وكان لمسلمة بن عبد الملك حاجة عند هشام يقضيها له، لا يردّه فيها، فخرج مسلمة لبعض صيوده، فأتاه الناس يسلّمون عليه، وأتاه الكميت- ومسلمة لا يعرفه- فقال: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد: [مجزوء الكامل]

قف بالدّيار وقوف زائر ... وتأيّ إنّك غير صاغر (٢)

حتى انتهى إلى قوله: [مجزوء الكامل]

يا مسلم بن أبي الولي ... د لميّت إن شئت ناشر

علقت حبالي من حبا ... لك ذمّة الجار المجاور

فالآن صرت إلى أميّ ... ة والأمور لها مصاير

والآن كنت به المصي ... ب كمهتد بالأمس حائر

فقال مسلمة: سبحان الله! من هذا الذي أقبل من أخريات الناس ثم بدأنا بالسلام، ثم قال: أما بعد ثم الشعر؟ قيل: الكميت، فأعجب بفصاحته، فسأله عمّا كان فيه من طول غيبته، فذكر له سخط هشام عليه، فضمن له أمانه وتوجّه به حتى أدخله على هشام، وهشام لا يعرفه، فقال الكميت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال هشام: نعم الحمد لله، من هذا؟ قال الكميت: مبتدئ الحمد ومبتدعه، الذي خصّ بالحمد نفسه، وأمر به ملائكته، وجعله فاتحة كتابه، ومنتهى شكره، وكلام أهل جنّته.

أحمده حمد من علم يقينا، وأبصر مستبينا، وأشهد بما شهد به لنفسه، قائما بالقسط


(١) البيت في ديوان الكميت ٢/ ١١٤، ولسان العرب (عجز)، والفاخر ص ٢، وخزانة الأدب ١/ ١٧٩.
(٢) البيت للكميت في ديوانه ١/ ٢٢٣، وإصلاح المنطق ص ٣٠٤، ولسان العرب (أيا)، وكتاب العين ٨/ ٤٠١، وبلا نسبة في الممتع في التصريف ٢/ ٥٨٤، والمنصف ٢/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>