للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده العربيّ ورسوله النبيّ الأميّ، الذي أرسله والناس في هبوات (١) حيرة ومدلهمّات ظلمة، عند استمرار أبّهة الضلالة. فبلّغ عن الله ما أمر به، حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وسلم. ثم إني يا أمير المؤمنين تهت في حيرة، وحرت في سكرة، أهاب بي داعيها، فأجابه غاويها، فاقطوطيت (٢) في الضّلالة حائدا عن الحق، قائلا بغير الصدق، فهذا مقام العائذ بك، ومنطق التائب، ومبصر الهدى بعد طول العمى. يا أمير المؤمنين، كم من عاثر أقلتم عثرته، ومجترم عفوتم عن جرمه!

فقال هشام- وقد علم أنه الكميت: من سنّ لك هذا الغواية، وأهاب بك في العماية؟ قال: الذي أخرج آدم من الجنة فنسى ولم يجد له عزما، وأنت يا أمير المؤمنين، أضاء الله بك الظلمة الداجية بعد العموس فيها فبصرت، وحقن بك دماء قوم أشرب خوفك قلوبهم؛ فهم يبكون لما يعلمون من حزمك وعزمك وبصيرتك، وعزّ بأسك.

وثبات جأشك. وأنت مستغن برأيك عن رأي ذوي الألباب؛ برأي أريب، وحلم مصيب.

فأطال الله لأمير المؤمنين البقاء، وأتمّ عليه النّعماء، ودفع به الأعداء.

فرضي عنه وأمر له بمال كثير.

فهذه منزلة الكميت من الشعر والخطابة خلافا لمن يقول: القافية جلبته في المقامات؛ وغيره من الشعراء كان أولى بموضعه.

***

قوله: «حاكها»، أي نسجها. يريد أن الكميت ممن يصنع الشعر ولا يقوله على طبعه، فلذلك قال: «حاكها». وسأل بعض الخلفاء جريرا عن النابغة وزهير، فقال:

ينيّران الشعر ويسديانه، والعلماء بالشعر يسمون صنّاع الشعر عبيد الشعر، مثل زهير وابنه كعب والحطيئة وعديّ بن الرقّاع والكميت.

قوله: «تخذتها»، أي اتخذتها، يقال: تخذ يتخذ بمنزلة اتّخذ يتخذ، وخفّف عنه، حذفوا ألف الوصل من اتخذ، والتاء الأولى الساكنة، التي هي فاء الفعل، فبقي تخذ، ومثله تقي يتقي واتّقى يتّقي، حذفت ألفه وتاؤه الأولى، وليس يطّرد هذا التخفيف، وإنما جاء في اتّخذ واتّقى وأتجه واتّسع، فقالوا: تقي وتخذ وتجه وتسع وصلة أي موصّلة.

تعافيتها: تكارهتها، وهي تفاعلت من عفت الشيء أعافه عيافا، أي كرهته. حالت:

تغيّرت. أحو: أجمع. مهّد: اقبل وسهّل. أجرمت: أذنبت لنفسي، جنيت: أذنبت لغيري، أراد: إن كان عذري بيّنا فأقبله، وإن كنت ظالما فتجاوز واسمح. أودع: ضمّن وجعل فيه. الغضى: شجر جمره يثبت في النار.


(١) هبوات: أي غبرات.
(٢) اقطوطيت: أي قاربت في المشي إسراعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>