للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يتطفّل، نسبة مذهب لا نسب، والتطفّل من أخلاق اللئام، وسجايا الأوغاد، ومنهي عنه في الشرع.

ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوى دخل سارقا وخرج مغيرا» (١).

عائشة رضي الله عنها: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من دخل على قوم لطعام لم يدع فأكل دخل فاسقا، وأكل حراما».

***

[[من أخبار المتطفلين]]

ونسوق هنا فصلا للطفيليّين، يكون في هذه المقامة بمنزلة فضل الأكلة في المقامة التي قبل هذه لأن حالتيهما متقاربة.

فمن ذلك ما يحكى عن بشار الطفيليّ أنه قال: رحلت يوما إلى البصرة، فلما دخلتها قيل لي: إنّ هنا عريفا للطّفيليّين يبرهم، ويكسوهم ويرشدهم إلى الأعمال ويقاسمهم. فسرت إليه فبرّني وكساني، وقمت عنده ثلاثة أيام، وله جماعة يصيرون إليه بالزّلّات (٢) فيأخذ النّصف، ويعطيهم النّصف، فوجّهني معهم في اليوم الرابع، فحصلت في وليمة، فأكلت وأزللت معي شيئا كثيرا وجئته به، فأخذ النصف، وأعطاني النصف، فبعت ما وقع لي بدراهم، فلم أزل على هذه الحالة أياما، ثم دخلت يوما على عرس جليل، فأكلت وخرجت بزلّة حسنة، فلقيني إنسان فاشتراها بدينار، فأخذته وكتمته، وكتمت أمرها. فدعا جماعة من الطفيليّين، فقال: إن هذا البغداديّ قد خان، فظنّ أني لا أعلم ما فعل، فاصفعوه وعرفوه ما كتمنا، فأجلسوني شئت أم أبيت، وما زالوا يصفعونني واحدا بعد واحد، فيصفعني الأول منهم، ويشمّ يدي، ويقول: أكل مضيرة (٣)، ويصفعني الآخر ويشمّ يدي، ويقول: أكل كذا، ويصفعني الآخر، حتى ذكروا كلّ شيء أكلته، ما غلطوا بشيء منه، ثم صفعني شيخ منهم صفعة عظيمة، وقال: باع الزّلة بدينار، وصفعني آخر، وقال: هات الدّينار، فدفعته إليه، وجرّدني الثياب التي أعطانيها، وقال: اخرج يا خائن في غير حفظ الله. فخرجت إلى بغداد، وحلفت ألّا أقيم ببلد فيه طفيليّة يعلمون الغيب.

ونريد هنا أن نذكر بعض ما اشتهر من حكايات طفيليّة البصرة، إذ هم أحذق خلق الله في باب التطفيل:


(١) أخرجه بنحوه الترمذي في الصوم باب ٦٤، وأبو داود في الأطعمة باب ١.
(٢) الزلة: اسم لما تحمل من مائدة صديقك أو قريبك.
(٣) المضيرة: هي مرقة تطبخ باللبن.

<<  <  ج: ص:  >  >>