قال الشيخ الرئيس أبو محمد القاسم بن عليّ، برّد الله مضجعه: هذا آخر المقامات التي أنشأتها بالاغتراز، وأمليتها بلسان الاضطرار، وقد ألجئت أن أرصدها للاستعراض، وناديت عليها في سوق الاعتراض، هذا مع معرفتي بأنّها من سقط المتاع، وممّا يستوجب أن يباع ولا يبتاع، ولو غشيني نور التوفيق، ونظرت لنفسي نظر الشّفيق، لسترت عواري الّذي لم يزل مستورا، ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورا، وأنا أستغفر الله تعالى ممّا أودعتها من أباطيل اللّغو، وأضاليل اللهو، وأسترشده إلى ما يعصم من السّهو، ويحظي بالعفو إنّه هو أهل التّقوى وأهل المغفرة، ووليّ الخيرات في الدّنيا والآخرة.
***
قوله: أنشأتها، أي صنعتها، الاغترار: الجهل والانخداع، أمليتها: ألقيتها لمن يكتبها. واضطر اضطرارا إذا لم يجد بدا من فعله أرصدتها: أعددتها. الاستعراض: أن تعرض على الناس حتى يروها، سقط المتاع: هجينة. يبتاع: يشتري. غشيني: غطاني.
أودعتها: ضمنتها. اللّغو: سقط الكلام. الأضاليل: جمع أضلولة، وهي ما يضل به من ركبه، استرشده: أستهديه، يعصم: يمنع. السهو: الخطأ، يحظي: يسعد. العفو:
المغفرة.
وقوله: هو أهل التقوى، عن أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يقول ربّكم عز وجل: أنا أهل التقوى فلا يشرك بي غيري، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له»(١).
***
انتهى الشرح بحمد الله وتوفيقه وحسن عونه، وكان من توفيق الله تعالى أن أوّل حرف شرحت من اللغة في هذا الكتاب حمد الله، وآخر حرف ختمت به عفو الله، وما وقع بين حمد الله سبحانه وتعالى، والثناء عليه، وبين عفوه عن عبيده مرجوّ من جميل صنعه الامتنان بالصفح عن جميع هذره، وملتمس من جلاله تعالى وكرمه جزيل الأجر على ما ضمنته من حكم الآداب وغيره.
[[في العفو عن المذنبين]]
واذكر فصلا أدبيا في العفو عن المذنبين، أختم به الديوان، فمن وقف عليه، ووجد في نفسه لذته، واستشعر؟ لرجاء وطمع في العفو، فرغبتنا إليه أن يسأل لنا العفو مع نفسه.