ثمّ خطا قيد رمحين، وعاد مستعيذا من الحين، وقال: يا عزّ من عدم الآل، وكنز من سلب المال، إنّ الغاسق قد وقب، ووجه المحجّة قد انتقب، وبيني وبين كنّي ليل دامس، وطريق طامس، فهل من مصباح يؤمّنني العثار ويبيّن لي الآثار؟
***
خطا: مشى ونقل خطاه. قيد: قدر. مستعيذا: مستجيرا. الحين: الموت. عدم الآل: فقد الأهل، يقول: أنتم عزّ لمن فقد أهله، وكنز لمن أخذ ماله. الغاسق: القمر.
عائشة رضي الله عنها قالت: نظر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا، فإنّ هذا هو الغاسق إذا وقب» (١)، يعني من شرّه إذا كسف. ووقب القمر: يقب وقوبا: دخل في الظلام الذي يكسفه، وكلّ ما غاب فقد وقب. المحجّة:
الطريق. انتقب: استتر، وجعل من الظلام نقابا. وكنّي: منزلي. دامس: مظلم. طامس:
دارس؛ لأن الظلام لمّا غطاه كأنه محاه. الآثار: الطرق التي أثر فيها المشي.
***
[[مما قيل في الشمع]]
قال الصابي في شمعة، وذكر هذا المعنى: [البسيط]
وليلة من محاق الشّهر مدجنة ... لا النجم يهدي السّرى فيها ولا القمر
كلفت نفسي بها الإدلاج ممتطيا ... عزما، هو الصارم الصّمصامة الذّكر
إلى حبيب له في النّفس منزلة ... ما حلّها قبله سمع ولا بصر
ولا دليل سوى هيفاء مخطفة ... تهدي الرّكاب وجنح الليل معتكر
غصن من الذّهب الإبريز أثمر في ... أعلاه ياقوتة صفراء تستعر
تأتيك ليلا كما يأتي المريب فإن ... لاح الصبّاح طوتها دونها الجدر
وقال آخر في مثله: [الطويل]
لنا شمعة نيطت ذراها بشعلة ... كحقّة تبر علّقت بلسانها
إذا عثر الساري بذيل من الدّجا ... نحرنا له قلب الدّجى بسنانها
تفك قيود اللّيل عن كل زائر ... فتجري بها الرّجلان ملء عنانها
إذا ما أحسّت بالصباح تمارضت ... كنرجسة قد أذبلت بمكانها
تموت إذا ما قبّلت خدّ حائط ... فتثبت خالا فوقه من دخانها
(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورتي ١١٣ و ١١٤، باب ١، وأحمد في المسند ٦/ ٦١، ٢٠٦، ٢١٥، ٢٣٧، ٢٥٢.