كأنّ الجراد امتصّ جوهر روحها ... ولم يمتنع منها سويدا جنانها
وقال النّمريّ:[المتقارب]
ولمّا دجا الليل مزقته ... بروح ينحف جثمانها
بشمع أعير قدود الرماح ... يحاكي ذراها وألوانها
غصون من التبر قد ركّبت ... لهيبا يزيّن أفنانها
فيا حسن أرواحها في الدجى ... وقد أكلت فيه أبدانها
***
قال: فلمّا جيء بالملتمس، وجلّي الوجوه ضوء القبس، رأيت صاحب صيدنا، هو أبو زيدنا.
فقلت لأصحابي: هذا الّذي أشرت إلى أنّه إذا نطق أصاب، وإن استمطر صاب.
فأتلعوا نحوه الأعناق، وأحدقوا به الأحداق، وسألوه أن يسامرهم ليلته، على أن يجبروا عيلته. فقال: حبّا لما أحببتم، ورحبا بكم إذ رحّبتم، غير أنّي قصدتكم وأطفالي يتضوّرون من الجوع، ويدعون لي بوشك الرّجوع، وإن استراثوني خامرهم الطّيش، ولم يصف لهم العيش، فدعوني لأذهب فأسدّ مخمصتهم، وأسيغ غصّتهم، ثمّ أنقلب إليكم على الأثر، متأهّبا للسّمر إلى السّحر.
فقلنا لأحد الغلمة: اتّبعه إلى فئته، ليكون أسرع لفيأته، فانطلق معه مضطبنا جرابه، ومحثحثا إيابه.
***
قوله:«الملتمس»، أي المطلوب وهو المصباح، والقبس ضوأه. جلا: كشف.
صاحب صيدنا، أي الذي اصطاد أموالنا. استمطر: سئل المطر. صاب: وقع وقعا شديدا، وكنى بالمطر الصّوب عن العلم الكثير. أتلعوا: مدّوا، وأتلع الرجل: نصب عنقه ومدّها، وتطاول لينظر شيئا. أحدقوا: حلّقوا وأحاطوا، والأحداق: سواد العين الأعظم:
عيلته: فقره يتضوّرون: يصيحون. ابن الأنباري: وقولهم: تركته يتضوّر، معناه يظهر الضرّ الذي وقع به بالتقلقل والاضطراب والصياح، فيتضوّر، يتفعّل من الضّور، والضّور بمعنى الضّير، ويقال: ضرّني يضرّني ضرّا، وضارني يضيرني ويضورني ضيرا وضورا