للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترديد، ثم ابتدع في البيت الثاني ما ليس لأحد مثله.

أبو تمام: لا أعلم أحدا أحسن صنعة في الترديد من زهير في قوله: [البسيط]

من يلق يوما على علّاته هرما ... يلق السّماحة منه والنّدى خلقا (١)

الحاتمي: وأحسن الخليع الباهلي في الترديد بقوله: [الطويل]

لقد ملأت عيني بحسن محاسن ... ملأن فؤادي لوعة وهموما

[التجريد]

وهو أن يجرّد الشاعر موصوفه من صفته، ويسندها لأجنبي في الظاهر، وهو يريد الأول في المعنى، مثل قول الأعشى: [المنسرح]

يا خير من يركب المطيّ ولا ... يشرب كأسا بكفّ من بخلا (٢)

فظاهره أنه لا يشرب كأسا بكفّ رجل ينسب إلى البخل إنما يشربها بكف كريم، وذلك الكريم هو الممدوح في المعنى، فجرّده في الظاهر، وهو يريد بكفّ بخيل من نفسه. وأبو عليّ الفارسي اختار لهذه الصنعة اسم التجريد، ومنه قول طرفة: [الرمل]

جازت البيد إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفور حذر (٣)

يعني بيعفور حذر، من نفسها. وقال الأخطل: [الطويل]

ربيع حيا ما يستقلّ بحمله ... سئوم ولا مستنكش البحر ناضبه

أي ما يستقل بحمله سئوم من نفسه، أي ليس بملول، وقال النابغة. [الكامل]

لم يحرموا حسن الغذاء وأمّهم ... طفحت عليك بتائق مذكار (٤)

ومما يتعلق بنوع من التجريد قول امرئ القيس: [السريع]

«على لاحب لا يهتدي بمناره» (٥)


(١) البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٥٣، والإنصاف ١/ ٦٨، وخزانة الأدب ٢/ ٣٣٥، وسر صناعة الإعراب ٢/ ٨٣١، وبلا نسبة في المقتضب ٤/ ١٠٣.
(٢) البيت في ديوان الأعشى ص ٢٢٥.
(٣) البيت لطرفة في ديوانه ص ٥٠، ولسان العرب (خدر)، (عفر)، (رحل)، وتهذيب اللغة ٧/ ٢٦٥، ومقاييس اللغة ٢/ ١٦٠، ٤/ ٣٧٢، ومجمل اللغة ٢/ ١٦٣، وديوان الأدب ٢/ ٢٣٢، وكتاب العين ٢/ ٣٤٢. ويروى «خدر» بدل «حذر».
(٤) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٥٨، ولسان العرب (دحق)، (نتق)، وتهذيب اللغة ٤/ ٣٥، وكتاب العين ٣/ ٤٢، وأساس البلاغة (طفح)، وتاج العروس (نتق)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٥/ ٣٨٧، والمخصص ٤/ ٣٠، ويروى «بناتق» بدل «بتائق».
(٥) عجزه:
إذا سافه العود الديافيّ جرجرا
-

<<  <  ج: ص:  >  >>