حدّث الحارث بن همّام قال: حللت سوق الأهواز، لابسا حلّة الإعواز، فلبثت فيها مدّة، أكابد شدّة، وأزجّي أياما مسودّة، إلى أن رأيت تمادي المقام، من عوادي الانتقام، فرمقتها بعين القالي، وفارقتها مفارقة الطّلل البالي. فظعنت عن وشلها كميش الإزار، ركضا إلى المياه الغزار؛ حتّى إذا سرت منها مرحلتين، وبعدت سرى ليلتين، تراءت لي خيمة مضروبة، ونار مشبوبة، فقلت: آتيهما لعلّي أنقع صدى، أو أجد على النار هدى.
***
حللت: نزلت. الأهواز: مدينة واسعة لها سبع كور بين البصرة وفارس، قال الرّشاطي: الأهواز: متصلة بالجبل وأصبهان، وقيل: إن الأهواز بلد من سكن قصبته، ضعف عقله ولزمته الحمّى.
حلة الإعواز: ثوب الفقر، والحلّة إزار ورداء، ولا يقال لثوب واحد: حلّة. لبثت:
المقام: الإقامة. عوادي: جمع عادية، من العدوان وهو الظلم. والانتقام: العذاب والنكاية. رمقتها: نظرتها. القالي: البغيض. الطلل: ما شخص من آثار الدار. ظعنت:
ارتحلت. وشلها: ماؤها القليل. كميش: مشمّر، وانكمش في طلب حاجته: أسرع فيها، والإزار والمئرز: ما يلبس عرضا من السراويل، ولا تعرف العرب السراويل، ووجدها أعرابي فظنّها قميصا، فأدخل يديه من على ساقيها، والتمس من أين يخرج رأسه فلم يجد فرمى بها، وقال: هذا قميص الشيطان.
قوله: راكضا، أي جاريا، وهمزة ماء مبدلة من هاء «مياه». الغزار: الكثيرة. سرى ليلتين، أي سرت مقدار ما يسار فيه ليلتين. تراءت: ظهرت. مشبوبة: موقودة. أنقع صدى: أروي عطشا. أجد على النار هدى، أي أجد عليها من يرشدني إلى الطريق.
***
فلمّا انتهيت إلى ظلّ الخيمة، رأيت غلمة روقة، وشارة مرموقة، وشيخا عليه