للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو بحر صفوان بن إدريس في فتى اسمه إبراهيم، وأبدع ما شاء حيث قال: [الكامل]

أسميّ من سنّ القرى رفقا بمن ... يفنى عليك صبابة وغراما

أنا ضيف حسنك فاصطنعني إنه ... ضيف الهوى يستوجب الإكراما

لمّا نظرت نجوم خيلان بدت ... في صحن وجنتك استفدت مقاما

أفنيت جسم الصبّ شوقا مثلما ... أفنى سميّك قبلك الأصناما

يا زهرة سكنت فؤادي غضّة ... إنّي تبوّأت اللهيب كماما

حتى كأنّ الحبّ قال لأضلعي: ... يا نار كن بردا له وسلاما

وقال أبو بكر بن ميمون فيما يتعلق بهذه النار: [المتقارب]

أبا قاسم والهوى جنّة ... وإني من حرّها لم أفق

تقحّمت جاحم نار الحشى ... وخضت بحار سواد الحدق

أكنت الخليل وكنت الكليم ... أمنت الجوى وأمنت الغرق!

انظر إلى الأضياف الرابعة والأربعين.

***

فقلت: ما أصنع بمنزل قفر، ومنزل حلف فقر! ولكن يا فتى، ما اسمك، فقد فتنني فهمك؟ فقال: اسمي زيد، ومنشئ قيد، ووردت هذه المدرة أمس، مع أخوالي من بني عبس.

***

قوله: «بمنزل قفر»؛ كأن هذا المنزل هو الذي وصفه الآخر حيث يقول: [الرمل]

ليس إغلاقي لبابي أنّ لي ... فيه ما أخشى عليه السّرقا

إنما أغلقته كي لا يرى ... سوء حالي من يمرّ الطّرقا

منزل أوطنه الفقر فلو ... يدخل السارق فيه سرقا

[[البؤس والحرمان]]

وإنما أخذ الحريري هذا المعنى من قصة يزيد المدني، وكان من أهل الملح، فاستضافه أعرابيّ، فقال: ما عندنا إلا الأسودان، فقال الأعرابيّ: خير كثير، فقال: لعلك تظنّهما التمر والماء! والله ما هما إلا الليل والحرّة، فلم يكن ليزيد دار إلا الحرّة- وهي أرض سوداء فيها حجارة سود، وهي مقبرة المدينة- والقبور المجصّصة تكون بالليل موحشة، فما ظنك بقبور سود في أرض سوداء في ظلمة الليل! كيف حال من يكون هذا قراه! فبهذا البلاء أعرض يزيد عن ضيافة الأعرابيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>