المثاني: أوتار بالعود، معروفة على سائر أوتاره. بتربة أبويه، يريد عظامهما التي تصير ترابا في القبر، ولذلك أقسم بالقبر.
[[سيبويه]]
وأما سيبويه ففارسيّ، مولى لبني الحارث بن كعب، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر، وتفسير سيبويه بالفارسية ريح التفاح، وهو لقب له لأنه كان من أطيب الناس رائحة، وأجلّهم وجها، وقد أشرنا إلى ذلك في العاشرة. وقيل: معنى «سي» ثلاثون و «بويه» رائحة التفاح، فكأنّ معناه: الذي ضعف طيب رائحته ثلاثين مرة. وقيل: إن أمه كانت ترقّصه بذلك وهو صغير فلزمته.
وولد بالبيضاء، وهي قرية بشيراز من عمل فارس ونشأ بها، وقدم البصرة في أوّل أيامه ليكتب الحديث، فلزم حلقة حماد بن سلمة فاستملى عليه يوما قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم:
«ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عنه ليس أبا الدرداء» فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، بالرفع، وظنه اسم ليس، فقال حمّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما ليس هنا استثناء، فقال سيبويه: سأطلب علما ليس يلحّنني فيه أحد، فلزم الخليل، فبلغ في علم النحو الغاية، وضرب به في ذلك المثل وهو أوّل من بسط طريقته، وشرّع شريعته، وكتابه الإمام في النحو، الذي لم يصنع قبله ولا بعده مثله، وغاية لأئمة فهمه.
وأخذه الأخفش عنه.
وقيل ليونس: ألّف سيبويه كتابا نحوا من ألف ورقة في علم الخليل، فقال: متى سمع سيبويه هذا كله! فأتي بكتابه، فنظر فيه فقال: يجب أن يكون صدق عن الخليل، كما صدق فيما حكاه عنّي.
وناظر الأصمعيّ سيبويه، فغلبه الأصمعيّ بلسانه فقال يونس: الحقّ مع سيبويه.
وكانت في لسانه حبسة، وقلمه أبلغ من لسانه. قال أبو زيد: كان سيبويه يختلف إليّ وهو غلام له ذؤابتان، وإذا قال في كتابه: حدّثني من أثق به، فإنما يعنيني.
قال الأخفش: كان سيبويه إذا وضع شيئا من كتابه عرض عليّ وهو يرى أنّي أعلم منه، وكان أعلم منّي.
والأخفش هذا هو سعيد بن مسعدة مولى بني مجاشع، يكنى أبا الحسن، وهو الذي أخذ الكتاب عن سيبويه، وهو أكبر من سيبويه، وصحب الخليل. وأما الأخفش الكبير شيخ سيبويه فهو عبد الحميد بن عبد المجيد، يكنى أبا الخطاب وهو الأخفش الكبير، ويونس هو ابن حبيب، يكنى أبا عبد الرحمن مولى بني ضبّة، أخذ النحو عن حماد بن سلمة وعن أبي عمرو بن العلاء، وقيل: إنه جاوز المائة في سنّه ولما فاق سيبويه في علم النحو أهل عصره، وبرّز فيه على نظرائه من أهل دهره، سمع أن الكوفيين ظهروا ببغداد