للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسرى لخالدة الخيال ولا أرى ... شيئا ألذّ من الخيال الطارق (١)

إن البليّة من تملّ حديثه ... فاتبع حديثك من حديث الوامق

أهواك فوق هوى النّفس ولم يزل ... مذ بنت قلبي كالجناح الخافق

شوقا إليك ولم تجار مودتي ... ليس المكذّب كالحبيب الصادق

وقال ابراهيم الموصلي لابن جامع: لو هذا طلب الغناء كما نطلبه، ما أكلنا معه الخبز، فقال ابن جامع: صدقت.

ومما ينتظم في هذا النمط ويغنّى به قول الآخر: [البسيط]

قال الوشاة لهند عن تصارمنا ... ولست أنسى هوى هند وتنساني

قد قلت حين بدا لي بخل سيدتي ... وقد تتبع في بثي وأحزاني

هل تعلمين وراء الحب منزلة ... تدني إليك فإنّ الحب أقصاني

والحريري لم يتعرض بشعره في هذا، لأنه بنى البيت في المسألة، لكن فيما ذكرناه زيادة بيان، وأنه يجب أن يختار المغني، ما يتلقّى للغناء من كل جهاته بالاستحسان.

قوله: العابث بالمثاني، أي اللاعب بأوتار عود الغناء. ومما يستحسن في وصف العود قول ابن القاضي: [البسيط]

جاءت بعود تناغيه ويسعدها ... فانظر بدائع ما خصّت به الشجر

غنّت على عودها الأطيار مفصحة ... غضا فلمّا ذوى غنّى به البشر

فلا يزل عليه أو به طرب ... يهيجه الأعجمان: الطير والوتر

وقال ابن شرف: [الطويل]

سقى الله أرضا أنبتت عودك الذي ... زكت منه أغصان وطابت مغارس

تغنّى عليه الطير والعود أخضر ... وغنى عليه الغيد والعود يابس

ومما قيل في ذم مغنّ: [الكامل]

لو أبصرت عيناك بشرا جالسا ... والعود في يده يبثّ وساوسا

لرأيت منه فتى تحبّ بأن ترى ... في الرأس منه مشاورا وطنافسا

فإذا تربّع- لا تربع بعدها- ... وبدا يحرّك عوده متنافسا

فكأنّ جرذان المدينة كلها ... في عوده يقرضن خبزا يابسا


(١) الأبيات في ديوان جرير ص ٣٨٩، والبيت الثاني لجابر في لسان العرب (ومق).

<<  <  ج: ص:  >  >>