أخبر الحارث بن همّام قال: أنخت بملطيّة مطية البين وحقيبتي ملأى من العين؛ فجعلت هجّيراي، مذ ألقيت بها عصاي؛ أن أتورّد موارد المرح، وأ تصيّد شوارد الملح؛ فلم يفتني بها منظر ولا مسمع؛ ولا خلا منّي ملعب ولا مرتع؛ حتّى إذا لم يبق لي فيها مأرب، ولا في الثّواء بها مرغب، عمدت لإنفاق الذّهب في ابتياع الأهب، فلمّا أكملت الأعداد، وتهيّأ الظّعن فيها أو كاد، وجدت بها تسعة رهط قد سبئوا قهوة، وارتبئوا ربوة، ودماثتهم قيد الألحاظ. وفكاهتهم حلوة الألفاظ، فنحوتهم طلبا لمنادمتهم لا لمدامتهم، وشغفا بممازجتهم لا بزجاجتهم.
***
أنخت المطيّة: صيّرتها باركة بالأرض.
[[ملطية]]
ملطيّة: بلد بالجزيرة ذات أنظار وقرى، بينها وبين الرّقّة خمسون فرسخا، والرّقّة:
أمّ قرى الجزيرة، وذكرها المسعودي في شعره فقال:[الطويل]
ولم يحلبوها من وراء ملطية ... تصدّع أجبال بها وأكام
وقيل: ملطية في ثغره الشأم.
قال اليعقوبيّ: ملطية هي المدينة العظمى، وكانت قديمة فأخربها الرّوم، فبناها المنصور سنة تسع وثلاثين ومائة، وجعل عليها سورا واحدا، ونقل إليها عدّة قبائل من العرب، قال: وهي في مستو من الأرض يحيط بها جبال الروم، وماؤها من عيون وأودية من الفرات، وخفّفها المتنبي ضرورة فقال:[الطويل]