يخرج عليه شيء من دماغه لم يكن عليه بأس، فسبق إليه المعلم فقبّل رأسه، وقال: بشرك الله بخير، أنزعه فما في رأسي دماغ، فقال الطبيب: كيف ذلك؟ قال لأني معلّم كتاب الله تعالى، وما في رءوس المعلمين ذرّة من دماغ، ولو كان فيه ذرّة من دماغ ما كنت هاهنا.
وقال موسى بن حسّان الكاتب: رأيت بالبصرة معلّما قد أجلس أولاد الأغنياء للظلّ وأولاد المساكين للشمس، وهو يقول لأولاد الأغنياء: يا أهل الجنة، ابزقوا على أهل النار- يعني أولاد المساكين- فقلت: يا هذا، ما بال هؤلاء يبخسون؟ فقال: هؤلاء يبخسون الأخطار.
أحمد بن دليل: مررت بمعلّم يضرب صبيا، ويقول: والله لأضربنّك حتى تقول لي: من حفر البحر؟ فقلت: أعزّك الله، والله لا أدري أنا من حفر البحر، فقل لي حتى أتعلّم أنا، فقال: حفر البحر كردم أبو آدم عليه السلام.
أبو العنبس: كان في دربنا معلّم طويل اللحية، فكنت أجلس إليه كثيرا وأتلهّى به، فجئته يوما وبين يديه صبيّ يقول له: ويلك! الدجلة من حفرها! قال: عيسى ابن مريم، قال: فالجبل من خلقه؟ قال: موسى بن عمران قال: فالبعر، من دوّره في است الجمل، قال: شيطان يقال له الحيّ، قال: أحسنت، فآدم من أبوه قال: بخ بخ، نجوت والله! فقلت: يا سبحان الله أليس آدم أبا البشر. قال: نعم. قلت: فكيف يكون نوح أباه! قال: ويلك أتعرّفني بآدم وأنا أبو عبد الله المعلم، يا صبيان كرفسوه فكرفسوني، حتى صيّروني مقيدا، فحلفت ألّا أقف على معلم أبدا.
الجاحظ: أتت امرأة إلى معلّم بابن لها، وكان المعلّم طويل للحية، فقالت: إن هذا الصبي عاقّ لا يطيعني فأحب أن تفزّعه، فأخذ المعلم لحيته وألقاها في فمه وحرّك رأسه، وصاح صيحة، فضرطت المرأة من الفزع، وقالت: إنما قلت لك: فزّع الصبي، ليس إياي، فقال: لها: مرّي يا حمقاء إن العذاب إذا نزل هلك الصّالح والطالح.
الأصمعي: مررت بمعلّم بالبصرة يضرب صبيا، ثم أقام الصبيان صفا وجعل يدور عليهم، ويقول: اقرءوا، فلما بلغ الصبيّ المضروب قال لآخر إلى جنبه: قل له: يقرأ فإني لا أكلمه! .
[[الأدباء والمؤدبون]]
ونذكر هنا في التأديب والأدباء ما يكون من شكل هذا الموضع، ثم نتبع عند ذكر الغلمان الحسان من الأشعار ما يجري كالبيان والتفسير لأحوالهم بعون الله تعالى.
قالت الحكماء: من أدّب ولده صغيرا سرّ به كبيرا، ومن أدّب ولده أرغم حاسده.
وقال ابن عباس من لم يجلس في الصغر حيث يكره لم يجلس في الكبر حيث يحبّ.
وقالوا: أطبع الطّين ما كان رطبا، وأغرز العود ما دام لدنا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: