للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرسان في عنان واحد، فتأملهما، فقال: فرسي والله. ثم تأمل وقال: وفرس ابني عبد الله، فجاء الفرسان أمام الخيل؛ فرسه السابق وفرس المأمون المصلّي، فسرّ بذلك الرشيد سرورا عظيما، قال الأصمعيّ: فقلت للفضل: يا أبا العباس، هذا من أيامي، فاحتل حتى توصلني، فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، إن الأصمعي قد أعدّ في أمر الفرسين شيئا يريد به سرور أمير المؤمنين، فقال: هات يا أصمعيّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، كنت وابنك اليوم وفرساكما، كما قالت الخنساء- وقد قيل لها: كيف تفضلين أخاك على أبيك؟

فقالت: [الكامل]

جارى أباه فأقبلا وهما ... يتعاوران ملاءة الحضر (١)

وهما كأنهما وقد برزا ... صقران قد حطّا إلى وكر

حتى إذا جدّ الجراء وقد ... ساوت هناك الغدر بالغدر

وعلا هتاف الناس: أيهما؟ ... قال المجيب هناك: لا أدري

برقت صحيفة وجه والده ... ومضى على غلوائه يجري

أولى فأولى أن يساويه ... لولا جلال السنّ والكبر

قيل لأبي عبيد: ليس هذا في مجموع شعرها، فقال: العامة أسقط من أن يجودوا عليها بمثل هذا. فقولها: «ملاءة الحضر» تعني بها غبرة الفرسين التيأثاراها جعلتهما كملحفة يرتديانها ويتجاذبانها، وسيأتي من أخذ منها هذا المعنى ومن سبق إليه في الأربعين.

[[مراتب الخيل]]

ومراتب الخيل في الحلبة: السابق منها يسمى المجلّي ثم المصلّي ثم المسلّي، ثم التالي ثم المرتاح ثم العاطف ثم الحظيّ، ثم المؤمّل، ثم اللطيم، ثم السّكيت.

قال الأصمعيّ وأبو عبيدة: لم نسمع في سوابق الخيل اسما لشيء منها ممّن يوثق بعلمه إلا الثاني واسمه المصلّي، قال الأصمعي: هو من الصّلا وهو جانب ذنبه، والعاشر واسمه السّكيت، وما سواهما فإنما يسمى الثالث والرابع إلى التاسع.

وكان عند المتقي العباسي فتى راوية للخبر والشعر يأنس به، فقال ليلة لجلسائه:

عودوا إلى ذكر الخيل، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، حدّثني كلاب بن حمزة العقيليّ:

قال: كانت العرب ترسل خيلها أراسيل، عشرة عشرة، والقصب سبعة سبعة، فلا يدخل الحجرة من الخيل إلا ثمانية: الأول السابق المجلي لأنه جلى عن وجه صاحبه الكرب.

والثاني المصلّي لأنه وضع جحفلته على قطاة المجلّي، وهو صلاه، والصّلا عجب الذنب.


(١) الأبيات في ديوان الخنساء ص ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>